المنازل حساب الأوقات من الأشهر والأيام لضبط عباداتكم ومعاملاتكم المالية والمدنية ، ولو لا هذا النظام المشاهد لتعذر العلم بذلك على الأميين من أهل البدو والحضر ؛ إذ حساب السنين والشهور الشمسية لا يعلم إلا بالدراسة ، ومن ثم جعل الشارع الحكيم الصوم والحج وعدة الطلاق بالحساب القمري الذي يعرفه كل أحد بالمشاهدة ، ولعبادتى الصيام والحج حكمة أخرى وهى دورانهما فى جميع فصول السنة ، فيعبد المسلمون ربهم فى جميع الأوقات من حارة وباردة ومعتدلة.
وقد حث الشارع على الانتفاع بالحساب الشمسى بنحو قوله : «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ» وقوله : «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ».
(ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ) أي ما خلق الله الشمس ذات ضياء تفيض أشعتها على كواكبها التابعة لها فتنبعث الحرارة فى جميع الأحياء ، وبها يبصر الناس جميع المبصرات ويقومون بأمور معايشهم وسائر شئونهم ، وما خلق القمر ذا نور مستمد من الشمس تنتفع به السيارة فى سيرهم ، وقدره منازل يعرف بها الناس السنين والشهور ، ما خلق ذلك إلا مقترنا بالحق الذي تقتضيه الحكمة والمنفعة لحياة الخلق ونظام معايشهم فلا عبث فيه ولا خلل ، فكيف يعقل بعد هذا أن يخلق هذا الإنسان ويعلمه البيان ويعطيه من كمال الاستعداد ما لم يعط غيره ، ثم يتركه بعد ذلك سدى يموت ويفنى ولا يعود ويبعث ، لتجزى كل نفس بما كسبت فيجزى المتقون بصالح أعمالهم ، والمشركون والظالمون المجرمون بكفرهم وجرائمهم كما قال تعالى : «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟».
(يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي يبين الدلائل من حكم الخلق على رسوله مفصلة منوعة من كونية وعقلية لقوم يعلمون دلالة الأدلة ويميزون بين الحق والباطل باستعمال عقولهم فى فهم هذه الآيات فيجزمون بأن من خلق النيّرين على هذا النظام البديع لا يمكن أن يخلق الإنسان سدى.