شأنه صلى الله عليه وسلم أن يثير عجبه ويجعله يطيل الحزن والأسف إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ـ ذكر سبب هذا ، وهو أنهم قوم طبع الله على قلوبهم وفقدوا الاستعداد للإيمان ، فلا وسيلة له صلى الله عليه وسلم فى إصلاح حالهم ، ولا قدرة له على هدايتهم.
الإيضاح
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) أي ومن المكذبين ناس يصيخون بأسماعهم إذا قرأت القرآن أو بينت ما فيه من أصول الشرائع والأحكام ، ولكنهم لا يسمعون إذ يستمعون ، فهم لا يتدبرون القول ولا يتفقهون ما يراد منه ، بل جلّ همهم أن يتسمعوا غرابة نظمه وجرس صوته بترتيله ، كمن يستمع إلى الطائر يغرّد على غصن الشجرة ليتلذذ بصوته لا ليفهم ما يغرد به ، وقد وصف الله حالهم فى آي أخرى فقال : «ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ» وقال : «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً».
والآن نرى من المسلمين من يستمع إلى قراءة القرآن من قارئ حسن الصوت للتلذذ بترتيله وتوقيع صوته لا لينتفع بعظاته وعبره ، ولا ليفهم عقائده وأحكامه.
(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ) أي إن السماع النافع للمستمع هو الذي يعقل به ما يسمعه ويفقهه ويعمل به ، ومن فقد هذا كان كالأصم الذي لا يسمع ، وإنك أيها الرسول الكريم لم تؤت القدر على إسماع الصم الذين فقدوا حاسة السمع حقيقة فكذلك لا تستطيع أن تسمع إسماعا نافعا من فى حكمهم وهم الذين لا يعقلون ما يسمعون ولا يفقهون معناه فيهتدوا به وينتفعوا بعظاته.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) أي ومنهم من يتجه نظره إليك حين تقرأ القرآن