ذلك ، وتوجه إلى الله أن يتم أمره : ربنا إنك أعطيت فرعون وأشراف قومه وكبراءه زينة من حلىّ وحلل وآنية وماعون وأثاث ورياش وأموالا كثيرة من صامت وناطق أي من ذهب وفضة وزروع وأنعام يتمتعون بها وينفقون منها فى حظوظهم وشهواتهم.
(رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) أي لتكون عاقبة ذلك إضلال عبادك عن السبيل الموصلة إلى مرضاتك باتباع الحق والعدل وصالح العمل.
وقد جرت سنة الله بأن كثرة الأموال تورث الكبرياء والخيلاء والبطر والطغيان وتخضع رقاب الناس لأربابها كما قال تعالى : «إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى».
وقد أثبت البحث والتنقيب فى نواويس قبور المصريين التي كشفت حديثا ، وفيما حفظ فى دور الآثار المصرية وغيرها من العواصم الأوربية ، ما يشهد بكثرة تلك الأموال ووجود أنواع من الزينة والحلي لم تكن لتخطر على البال ، ويدل على أرقى أنواع المدنية والحضارة التي لا تضارعها مدنية العصر الحاضر مع ما بلغه العلم والرقى العقلي فى الإنسان.
(رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي ربنا امحق أموالهم بالآفات التي تصيب زروعهم والجوائح التي تهلك أنعامهم وتنقص مكاسبهم ؛ فيذوقوا ذل الحاجة ، واطبع على قلوبهم وزدها قسوة على قسوتها وإصرارا وعنادا ، فيستحقوا شديد عقابك ، ولا يؤمنوا إلا إذا رأوا عذابك ، ولا ينفعهم إيمانهم إذ ذاك.
وسبب غضبة موسى أنه عرض عليهم آيات الله وبيناته عرضا مكررا ، وردد عليهم المواعظ والنصائح ردحا من الزمن ، وحذرهم عذاب الله وانتقامه ، وأنذرهم عاقبة ما هم عليه من الكفر والضلال المبين ، ثم لم يزدهم ذلك إلا كفرا وعتوا واستكبارا فى الأرض ، ولم يبق له مطمع فيهم وعلم بالاختبار أنه لا يكون منهم إلا الضلال ، وأن إيمانهم كالمحال ـ فاشتد عليهم ومقتهم ودعا عليهم بما علم أنه لا يكون غيره ، إذ لم يبق له فيهم حيلة ، وأنهم لا يستأهلون إلا أن يخذلوا ويخلى بينهم وبين ضلالهم يتسكعون فيه ، ويسيرون قدما فى طريق الغى والهلاك.