فأصابنا فيه عطش شديد ، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن كان الرجل لينحر بعيره ليعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : يا رسول الله إن الله قد عودك فى الدعاء خيرا فادفع لنا ، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى سالت السماء فأهطلت ثم سكنت فملئوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.
(مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) أي إنه تاب على المؤمنين كافة من بعد ما كاد يزيغ بعضهم عن الإيمان وهم الذين تخلفوا لغير علة النفاق ، وهم الذين وصفهم الله بأنهم عملوا عملا صالحا وآخر سيئا واعترفوا بذنوبهم ، فقبل الله توبتهم كما ذكر فيما سلف.
(ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) هذا تكرير للتوكيد كما يقال عفا السلطان عن فلان ثم عفا عنه ، فيدل ذلك على أنه عفو متأكد بلغ الغاية القصوى من القدرة والكمال.
ثم علل قبول توبتهم بقوله :
(إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي إن ربهم رءوف رحيم بهم ، فلا يهملهم بأن ينزع الإيمان منهم بعد ما أبلوا فى الله وأبلوا مع رسوله وصبروا فى البأساء والضراء.
(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) أي ولقد تاب الله على الثلاثة الذين خلّفوا عن الخروج إلى تبوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم المرجون لأمر الله ، وتقدم أنهم ثلاثة : كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع.
(حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أي خلفوا عن التوبة حتى شعروا بأن الأرض قد ضاقت عليهم على رحبها وسعتها بالخلق جميعا خوفا من العاقبة وجزعا من إعراض النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عنهم ، وهجرهم إياهم فى المجالسة والمحادثة.
وهذا مثل للحيرة فى الأمر ، كأنهم لا يجدون فيها مكانا يقّرون فيه قلقا وجزعا مما هم فيه ، قال قائلهم :
كأنّ فجاج الأرض وهى فسيحة |
|
على الخائف المطلوب كفّة حابل |
ثم ترقى وانتقل من ضيق الأرض عليهم إلى ضيقهم فى أنفسهم فقال :