والأساس على شفا الجرف الهارى ، مثل يضرب لما يكون فى منتهى الوهي والانحلال والإشراف على الزوال ، أي أفمن أسس بنيانه الذي يتخذه موطنا لراحته وهناء معيشته ويتقى به العوامل الجوية ، وعدوان الكائنات الحية على أمتن الأسس وأقواها على مصابرة العواصف والسيول وصد الهوامّ والوحوش ـ خير بنيانا ، أم من أسس بنيانه على أوهى القواعد وأقلها بقاء واستمساكا فكانت عرضة للانهيار فى كل حين من ليل أو نهار؟.
وقد ضرب الله مثل البنيان على تينك الصفتين لبيان حال الفريقين المتقدمين من صدق الإيمان ، والنفاق والارتياب ، أي أفمن كان مؤمنا صادقا يتقى الله فى جميع أحواله ويبتغى مرضاته فى جميع أعماله ، قاصدا تزكية نفسه وإصلاح سريرته ـ خير أم من هو منافق مرتاب ، يبتغى بأعماله الضرر والضرار وتقوية أعمال الكفر وموالاة الكفار وتفريق جماعة المؤمنين والإرصاد لمساعدة من حارب الله ورسوله مع ما يكون لعمله فى الدنيا من العار والفضيحة والخزي والبوار ، وفى الآخرة من الانهيار فى النار.
وخلاصة المثل ـ بيان ثبات الإسلام وقوته وسعادة أهله به وثمرته فى أعمالهم وجزائهم عليه برضوان الله عنهم ، وبيان ضعف الباطل واضمحلاله ووهيه وقرب زواله وخيبة صاحبه وسرعة انقطاع آماله ، وبيان أن شر أعمال أهله المنافقين ، ما اتخذوه من مسجد الضرار لمفاسده الأربع المتقدمة.
فالإيمان وما يلزمه من صالح العمل هو الثابت ، والنفاق وما يستلزمه من فاسد العمل هو الباطل الزاهق بحكم ناموس الاجتماع وبقاء الأصلح فى الوجود ، وقد صدق الله وعده وثبّت المؤمنين بالقول الثابت ، وهداهم إلى العمل الصالح ففتحوا البلاد وأقاموا سبل الحق والعدل ، وأهلك المنافقين ، وقد جرت سنته فى كل زمان ومكان أن يكون الفوز حليف أهل الحق ، والخيبة لأهل الباطل ما استمسكوا به ، ولم يقلعوا عنه.