القربة أصلا ، وإن قاله بلسانه أو تصوّره بجنانه : اصلّي أو ادرّس قربة إلى الله تعالى ، وسيجيء زيادة توضيح للمقام.
فظهر ممّا ذكر استحالة وقوع جزء من أجزاء العبادة بغير نيّة القربة ، فلا وجه لاشتراط المقارنة لأوّل جزء منها ، ثمّ الاكتفاء بالاستدامة الحكميّة ، كما اختاره أكثر المتأخّرين (١).
لا يقال : إنّك قلت : إنّ المحال هو تحقّق الفعل بغير قصد الفعل وقصد غاية فيه ، لا النيّة المعتبرة عند الفقهاء ، إذ هي أمر يجوز تخلّفه ، بل يصعب تحقّقه.
لأنّا نقول : اللازم على المكلّف أن يجعل قصد الغاية اللازم التحقّق في فعله الاختياري هو كونه إطاعة وامتثالا له أو تقرّبا إليه ، لا أمرا آخر ، إذ لو جعله أمرا آخر ، تبطل عبادته ويحرم صدوره.
فلا بدّ أن يتحقّق كلّ جزء من الأجزاء بذلك الفرض وبقصد تلك الغاية ، أي الإطاعة أو القربة ، فبعد اختيار ذلك الغرض وإتعاب النفس في جعل قصد الغاية اللازمة هو الإخلاص في العبادة والامتثال والقربة يستحيل وقوع جزء من الأجزاء بلا نيّة ، فأيّ داع إلى اشتراط المقارنة واعتبار الاستدامة الحكميّة دون الفعليّة؟
نعم ؛ جعل النيّة هي المخطرة بالبال خاصّة ـ كما فعله جمع من المتأخّرين (٢) ـ يوجب اعتبار المقارنة والاستدامة الحكميّة ، إذ (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (٣) فإمّا أن يتوجّه إلى إخطار الصور بالبال ، أو يشغل في إحداث الأجزاء
__________________
(١) المعتبر : ١ / ١٣٩ ، تحرير الأحكام : ١ / ٩ ، مسالك الأفهام : ١ / ٣٤.
(٢) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٤٠ ، مدارك الأحكام : ١ / ١٨٥ ، كشف اللثام : ١ / ٥٠٣.
(٣) الأحزاب (٣٣) : ٤.