وفيه ؛ أنّ الأقرب إلى العادة صبّ الماء في وسط الوجه ، ولذا ترى العوام يختارونه ، ومع نهي شديد من العلماء عنه يختارون ما قاله العلماء بالمشقّة. وربّما لا يتبعونهم مع ذلك ، وليس إلّا للمشقّة.
ومن هذا ظهر ضعف الاحتمال الأوّل أيضا ، لأنّ أحبّ الدين إلى الله تعالى السهلة ، كما ورد عنه عليهالسلام (١) وغير ذلك ، فلا وجه لاختيار ما هو أشقّ ، ولم يكن له رجحان شرعا.
مع أنّه لا وجه للالتزام والمواظبة الظاهرة من الأخبار ، بل الأوامر الواردة في أخبار اخر ، والقول بأنّه وضوء لا يقبل الله الصلاة إلّا به ، وغير ذلك ممّا ستعرف.
فظهر الجواب عن احتمال الاستحباب أيضا ، مع أنّ احتمال هذه الامور ليس معناه إلّا أنّه يحتمل مع عدم الابتداء أن يكون آتيا بالمأمور به ، وأن لا يكون آتيا به ، فلا يتحقّق الامتثال لا شرعا ولا عرفا ، كما عرفت.
وممّا يؤيّد ذلك أنّ زرارة ونظراءه مع جلالة قدرهم وعلوّ رتبتهم وفهمهم لمعنى الآية ، كانوا يسألون عن وضوء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دون أمير المؤمنين عليهالسلام ، فأجيبوا بوضوء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم المتضمّن للواجبات غالبا دون المستحبّات ، مثل المضمضة والاستنشاق والأدعية وأمثالها.
أو كان الأئمّة عليهمالسلام يقولون لهم : ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ ثمّ يذكرون الامور الواجبة ويقتصرون عليها إلّا الأدعية والآداب المستحبة ، إلّا ما شذّ ، كما لا يخفى على المتأمّل.
بل مرّ في رواية صفوان أنّه سأل أبا الحسن عليهالسلام عن كيفيّة الغسل فأجاب
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٩ الحديث ١٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢١٠ الحديث ٥٣٧.