فعلى هذا صار الحديث برهانا قاطعا لا غبار فيه أصلا ، لا من جهة كونه جدلا ولا من جهة المخالفة للأخبار والفتاوى ، بل المخالفة للإجماع وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار وغير ذلك.
ومع ذلك ليس فيه ما يخالف أدلّة المشهور أصلا وقطعا ، ولا قولهم بوجه من الوجوه ، بل ويوافقهم ويوافق أدلّتهم ، فكيف يتأتّى الاحتجاج به في ردّ قولهم وأدلّتهم؟ بل تصير مؤيّدا لهم وشاهدا ، كما لا يخفى على الفطن.
وممّا يقرب حمل هذا الخبر على ما قلنا ، أنّ راوي هذا الخبر ـ وهو ابن مسلم ـ روى عن هذا المعصوم عليهالسلام ، وهو الباقر عليهالسلام قال له : إنّ أهل الكوفة يروون أنّ عليّا عليهالسلام كان يأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة ، فقال عليهالسلام : «كذبوا على علي عليهالسلام ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليهالسلام ، قال الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (١)» (٢) ، فتأمّل جدّا!
ويقربه أيضا صحيحة حكم بن حكيم أنّه سأل الصادق عليهالسلام عن غسل الجنابة؟ فقال : «أفض على كفّك اليمنى». إلى أن قال : قلت : إنّ الناس يقولون : يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحك وقال : «أيّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ؟» (٣) ، فإنّه عليهالسلام أتى بكلمة «أيّ» التي هي من أداة العموم في الوضوء خاصّة.
فظهر أنّ عنايته في التعميم إنّما هو في خصوص الوضوء دون الغسل ، وإلّا لكان يقول : أيّ غسل أضعف من الوضوء دون الغسل ، وإلّا لكان يقول : أيّ غسل أضعف من الوضوء وأنقص طهرا؟ فلا عناية في عموم
__________________
(١) المائدة (٥) : ٦.
(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٩ الحديث ٣٨٩ ، الاستبصار : ١ / ١٢٥ الحديث ٤٢٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٧ الحديث ٢٠٦٩.
(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٩ الحديث ٣٩٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٧ الحديث ٢٠٦٨.