المعنى الجملي
وصف الله في هذه الآيات حال جماعة من المنافقين كانوا في عصر التنزيل قد بلغ من دعارتهم وتمرّدهم في النفاق وفساد الأخلاق أن كانوا يظهرون بوجهين ، ويتكلمون بلسانين ، فإذا لقوا المؤمنين قالوا آمنا بما أنتم به مؤمنون ، وإذا خلوا إلى شياطينهم دعاة الفتنة والإفساد الذين يصدون عن سبيل الحق قالوا لهم إنما نقول ذلك لهم استهزاء بهم ، وقد فضح الله بهتانهم وأوعدهم شديد العقاب على استهزائهم وزادهم حيرة في أمورهم ؛ ثم ذكر أنهم قد اختاروا الضلالة على الهدى ، إذ هم أهملوا العقل في فهم الكتاب بعد أن تمكنت منهم التقاليد والعادات ، وتحكمت فيهم البدع ، فخسروا في تجارتهم ، وما كانوا مهتدين فيها ، لأنهم باعوا ما وهبهم الله من النور والهدى ، بضلالات البدع والأهواء.
الإيضاح
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا ، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) أي وإذا رأى المنافقون. المؤمنين واجتمعوا بهم قالوا كذبا وبهتانا : آمنا كإيمانكم وصدقنا كتصديقكم ، وإذا انفردوا بأمثالهم من دعاة الفتنة والإفساد قالوا لهم : إنا على عقيدتكم ، وموافقوكم على دينكم ، وإنما نظهر لهم الإيمان استهزاء بهم ، لنشاركهم في الغنائم ، ونحفظ أموالنا وأولادنا ونساءنا من أيديهم ونطلع على أسرارهم.
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي الله يجازيهم بالعقاب على استهزائهم (وسمى هذا الجزاء استهزاء للمشاكلة في اللفظ كما سمى جزاء السيئة سيئة) ويزيدهم في عتوهم وكفرهم ، ويجعلهم حائرين مترددين في الضلال عقوبة لهم على استهزائهم.