الآيات ما فيه مقنع لهم ، رفع الجبل فوقهم كالظلة حتي ظنوا أنه واقع بهم ، وطلب إليهم التمسك بالكتاب والعمل بما فيه بالجدّ والنشاط ، كى يعدّوا أنفسهم لتقوى الله ورضوانه ، ثم كان منهم أن أعرضوا عن ذلك وانصرفوا عن طاعته ، ولو لا لطف الله بهم لاستحقوا العقاب في الدنيا وخسروا سعادة الآخرة وهى خير ثوابا وخير أملا ، لكن وفّقهم الله بعد ذلك فتابوا ورحمهم فقبل توبتهم.
الإيضاح
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) أي واذكروا يا بنى إسرائيل رفت أخذنا العهد على أسلافكم بالعمل بما في التوراة وقبولهم ذلك.
(وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) وكانت هذه الآية بعد أخذ الميثاق لكى يأخذوا ما أوتوه من الكتاب بقوة واجتهاد ، لأن رؤية ذلك مما يقوّى الإيمان ويحرّك الشعور والوجدان.
ثمّ بين الميثاق فقال :
(خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) أي وقلنا لهم خذوا الكتاب وهو التوراة بجدّ وعزيمة ، ومواظبة على العمل بما فيه.
(وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) أي وادّارسوه ولا تنسوا تدبر معانيه واعملوا بما فيه من الأحكام فإن العمل هو الذي يجعل العلم راسخا في النفس مستقرا عندها ، كما أثر عن على أنه قال : يهتف العلم بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل.
فحال التارك للشريعة المضيع لأحكامها أشبه بحال الجاحد المعاند لها ، وهو جدير بأن يحشره الله يوم القيامة أعمى عن طريق الفلاح والسعادة حتى إذا لقى ربه (قالَ : رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً؟ قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) فالجاحد للشريعة والناسي لها المضيع لأحكامها ، لا يكون لها أثر في نفوسهما لا ظاهرا ولا باطنا.