والتراب. فاختار التراب ليومي إلى هذه الدلالة. وقد اعتبرها الزركشي ( ت ٧٩٤ هـ ) من مشاكلة اللفظ للمعنى ، ومتى كان اللفظ جزلاً كان المعنى كذلك ، وتابع في تعليله ابن أبي الاصبع فيما تقدم (١).
قال الزركشي « إنما عدل عن الطين الذي هو مجموع الماء والتراب إلى ذكر مجرد التراب لمعنى لطيف ، وذلك أنه أدنى العنصرين وأكثفهما ، لما كان المقصود مقابلة من ادعى في المسيح الإلهية بما يصغر خلقه عند من ادعى ذلك ، فلهذا كان الاتيان بلفظ التراب أمس في المعنى من غيره من العناصر » (٢).
خامساً : والكلمة « فجرنا » في قوله تعالى :
( وفجرنا خلالهما نهراً ) (٣) توحي زيادة على الوقع الهائل في تصور التفجير وما يصاحبه من صخب وتموج ـ بعدم المعاناة في السقي ، والإجهاد في الإرواء ، فالمياه متسلطة ، والأنهار جارية ، دون مشقة أو عناء ، فلا كراء مرير ، ولا توجيه لمجاري المياه ولا انتظار لهطول الأمطار ، فالتفجير حاصل متيقن ، وحاصله المياه الغزيرة.
سادساً : وفي تكرار الكلمة نفسها ، واللفظ في صيغ معينة له دلالته على المعاني الموحية ففي الآيات ( ١٣ ، ١٤ ، ١٦ ، ٢٠ ) من سورة ياسين ، تكرار لكلمة « المرسلين » ففي الآية الأولى أخبار عن مجيئهم ، وفي الثانية تأكيد لإرسالهم بـ« انا » وفي الثالثة تأكيد مضاعف « بانا » واللام ، وفي الرابعة تحلية بالألف واللام الهدية.. وفي هذا التوسع بذكر المرسلين وتفاوت التأكد تدريجياً بين الشدة والضعف ، تثبت بالاستدلال على صحة إرسالهم ، فالأولى ضمن جملة خبرية ، والثانية مؤكدة من قبلهم برسول ثالث ، والثالثة تؤكد بإصرار وحزم بعد تكذيبهم من قبل أممهم ، وفي الرابعة يرسل الرجل المؤمن رسالتهم إرسال المسلمات ، فيتحلى اللفظ بالألف واللام للعهد القديم المؤكد ، وكل هذا يوحي بصدق دعواهم ،
__________________
(١) ظ : فيما تقدم : القيمة اللفظية من هذا الفصل.
(٢) الزركشي ، البرهان : ٣/٣٧٨.
(٣) الكهف : ٣٣.