فهنا يبدو واضحاً أن أبا سفيان كان أكثر بطئاً في قبول الشهادة الثانية من الأولى ، لأنّه كان يتصوّر بأن في الثانية تحطيمَ غروره وجبروته وموقعه السياسي والاجتماعي ، وذلك ما لا تعنيه كثيراً الشهادة الاولى بالنسبة له.
وقد ثبت عن أبي سفيان أنّه قال للعباس لما رأى نيران المسلمين وكثرة عددهم : لقد اصبح ملك ابن أخيك عظيماً. فقال له العباس : ويحك! إنها النبوة. فقال : نعم إذن.
وظل منظّر الفكر القرشي على هذه الوتيرة حتّى بعد وفاة النبي وخلافة الشيخين. فقد روي صاحب «قصص الانبياء» باسناده إلى الصدوق عن بن عباس أنه قال : .. ولقد كنا في محفل فيه أبو سفيان وقد كُف بصره وفينا عليّ صلوات الله عليه فأذن المؤذن فلما قال : اشهد أن محمداً رسول الله ، قال أبو سفيان : ها هنا من يحتشم؟ قال واحد من القوم : لا. فقال : لله در أخي بني هاشم ، انظروا اين وضع اسمه؟ فقال عليّ : اسخن الله عينك يا ابا سفيان ، الله فعل ذلك بقوله عز من قائل (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) فقال أبو سفيان : اسخن الله عين من قال لي ليس ها هنا من يحتشم (١).
بل إن أبا محذورة كان يستحيي من الإباحة باسم رسول الله صلىاللهعليهوآله من أهل مكّة ، إذ جاء في المبسوط للسرخسي ـ عند بيانه لسبب الترجيع في الأذان ـ قوله : ... وقيل أن أبا محذورة كان مؤذّن مكّة ، فلما انتهى إلى ذكر رسول الله خفض صوته استحياءً من أهل مكّة لأنّهم لم يعهدوا ذكر اسم رسول الله صلىاللهعليهوآله بينهم جهراً ، ففرك رسول الله صلىاللهعليهوآله أذنَهُ وأمره أن يعود فيرفع صوته ليكون تأديباً له .. (٢)
__________________
(١) بحار الأنوار ١٨ : ١٠٧ ، ٣١ : ٥٢٣ عن قصص الأنبياء.
(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٨.