يقبلوا (١). وإذاً ، فلم تكن لهذه الثورة أهداف اجتماعية واضحة ومُحدّدة ، لقد كان الهدف الواضح منها هو الانتقام والتكفير.
وإنّ الفقرة التي في صدر خطاب سليمان بن صرد لتصوّر لنا بدقة متناهية حالة المجتمع قبل ثورة الحسين عليهالسلام وموقفه من الحركات الإصلاحية كما عكسه موقف هذا المجتمع من ثورة الحسين عليهالسلام نفسها. وإنّ الكلمات في هذه الفقرة لتكاد تختلج حياء بما تحمل من معاني الونى والعجز والإدهان والتربّص والخذلان ، كما إنّ بقيّة الخطاب وسائر ما قيل في الحثّ على هذه الثورة يُصوّر كيف كانت ثورة الحسين عليهالسلام بركاناً عصف بكلّ هذا الركام من معاني العجز والانهيار والتلوّن ، وأحلّ محلّه الرغبة العارمة في الثورة والاستشهاد. وقد رأيت فيما مرّ عليك من نصّ الطبري أنّ الاستجابة للثورة لم تقتصر على الشيعة وحدهم ، بل شاركهم فيها غيرهم ممّن يأملون تغيير الأوضاع عن طريق إزالة النير الاُموي بالثورة.
وكون هذه الثورة انتقامية انتحارية استشهادية لا هدف للقائمين بها إلاّ الانتقام والموت في سبيله يُفسّر لنا قلّة عدد المُستجيبين لها إلى النهاية ؛ فقد أحصى ديوان سليمان بن صرد ستة عشر ألف رجل لم يخرج معه منهم أربعة آلاف (٢) ، ولم يستجب للدعوة من المدائن إلاّ مئة وسبعون رجلاً ، ومن البصرة إلاّ ثلاثمئة رجل (٣) ، فالعمل الانتحاري الاستشهادي لا يستهوي إلاّ أفراداً على مستوى عالٍ من التضحية [والتشبّع] بالمبدأ ، وهؤلاء قلّة في كلّ زمان.
هذا ، ولكنّ الإنصاف للواقع يقتضينا أن نسجّل أنّ هذه الثورة وإن كانت ثورة انتحارية استشهادية ولم تكن لها أهداف اجتماعية واضحة ، إلاّ إنّها أثّرت في مجتمع الكوفة تأثيراً عميقاً ؛ فقد عبّأت خطب قادات هذه الثورة
__________________
(١) الطبري ٤ / ٤٦٩.
(٢) المصدر السابق ٤ / ٤٥٢.
(٣) المصدر السابق ٤ / ٤٦٦.