ـ ٩ ـ
وقد يقول قائل إنّ الرّوح النضالية التي بعثتها ثورة الحسين عليهالسلام في الشعب المسلم لم تطوّر واقع هذا الشعب بواسطة الثورات التي أشعلتها. لقد كانت الثورات تنشب دائماً ، ولكنّها تخفق دائماً ولا تسوق إلى الشعب إلاّ مزيداً من الضحايا ومزيداً من الفقر والإرهاب.
وتقول : نعم ، إنّها لم تطوّر واقع هذا الشعب تطويراً آنيّاً ، ولم تقدّم في الغالب أيّة نتائج ملموسة ، ولكنّها حفظت للشعب إيمانه بنفسه وبشخصيته وبحقّه في الحياة والسيادة وهذا نصر عظيم.
إنّ أخطر ما يُبتلى به شعب هو أن يُقضى على روح النضال فيه ، إنّه حينئذ يفقد شخصيته ويذوب في خضمّ الفاتحين كما قدّر لشعوب كثيرة أن تضمحلّ وتذوب وتفقد كيانها ؛ لأنّها فقدت روح النضال ، ولأنّها استسلمت وفقدت شخصيتها ومقوّمات وجودها المعنوي فأذابها الفاتحون. إنّ هذه الشعوب التي لم يحفظ لنا التأريخ إلاّ أسماءها لم تأت من ضعفها العسكري أو الاقتصادي ، وإنّما أُتيت من فلسفة الهزيمة والتواكل والخنوع التي وجدت سبيلها إلى النفوس بعد أن خبت روح النضال في هذه النفوس.
ولو أنّها بقيت مؤمنة بشخصيتها وثقافاتها ومقوّماتها ، ولو احتفظت بروح النضال حيّة في أعماقها لما استطاع الغزاة إبادتها ، ولشقّت لنفسها طريقاً جديداً في التأريخ.
وهذا ما حقّقته ثورة الحسين عليهالسلام.
لقد أجّجت ثورة الحسين عليهالسلام تلك الرّوح التي حاول الاُمويّون إخمادها ،