واللام في «الحمد» للاستغراق عند الجمهور. وللجنس عند الزمخشري (١) ، ولا فرق هنا ؛ لأنّ لام «لله» للاختصاص ، فلا فرد منه لغيره ، وإلا لوُجد الجنس في ضمنه ، فلا يكون الجنس مختصّاً به. وللحقيقة عند بعضهم بمعنى أنّ حقيقة الحمد وطبيعته ثابتة لله. وللعهد عن آخرين. وأجازه الواحدي (٢) بمعنى أنّ الحمد الذي حَمِد الله به نفسه وحَمِدَه به أنبياؤه وأولياؤه مختصّ به ، والعبرة بحَمْد مَنْ ذُكر.
وإنّما قدّم الحمد ؛ لاقتضاء المقام مزيد اهتمام به وإن كان ذكر الله أهمّ في نفسه ؛ ولأنّ فيه دلالةً على اختصاص الحمد به. وجملة الحمد خبريّة لفظاً ، إنشائيّة معنىً ؛ لحصول الحمد بالتكلّم بها ، ويجوز أن تكون موضوعةً شرعاً للإنشاء.
(المتفرّد) بالتاء المثنّاة من فوق ، والراء المشدّدة بعد الفاء. ويحتمل على ضعفٍ أن تكون بالنون مع تخفيف الراء.
وإنّما رجّح الأوّل ؛ ليناسب مفتتح بقيّة الفقرات ، كـ «المتنزّه» و «المتفضّل» و «المتطوّل ؛ ولأنّه يقتضي المبالغة في الوصف ؛ لما مرّ من أنّ زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى.
(بالقِدَم) الذاتي فلا أوّل لوجوده ، ولا يشركه فيه شيء ، وهذا الوصف يستدعي كمال قدرته وعلمه ؛ لأنّ مشاركة غيره له فيه موجبة لواجبيّته المنافية لذلك ، ويندرج فيه باقي الصفات الثبوتيّة لزوماً.
وفيه تكذيب للقائل بِقدَم الأجسام السمائيّة ، كأرسطو ، وللقائل بأنّ مادّة العالم قديمة ، كسقراط ، على اختلافٍ في تلك المادّة.
(والدوام) الذاتي ، فلا آخر لوجوده ، ولا يشركه فيه شيء.
والتقييد بالذاتي يخرج أهل الجنّة ؛ فإنّهم يشاركونه فيه ، لكن دوامهم ليس ذاتيّاً ، وهذا القيد من لوازم صفاته تعالى وإن لم يصرّح به ؛ فإنّها أُمور اعتباريّة ، ومرجعها حقيقةً إلى الذات المقدّسة.
وربما يقال في دفع المشاركة أيضاً : إنّ المراد انفراده تعالى بالقِدَم والدوام معاً بجعل الواو بمعنى «مع» وأهل الجنّة لا يشاركونه في الأُولى. والأوّل أولى.
__________________
(١) الكشّاف ١ : ٩ ـ ١٠.
(٢) انظر : الوسيط ـ للواحدي ـ ١ : ٦٥ ـ ٦٦.