المُقَدّمَة
بحوث هذا الكتاب عرض ودراسة لأصول العمل بالحديث الحاكي للسنّة (١) ، أحد مصادر التشريع الإسلامي الأربعة.
واحتياج الفقيه الى السنة في استنباط الحكم يفوق احتياجه الى مصادر التشريع الأخرى ، الكتاب ، والاجماع ، والعقل.
فان آيات التشريع في الكتاب العزيز معدودة واشتهر انها نحو من خمسمائة آية مع المتكرر منها ، وإلا فهي لا تبلغ ذلك (٢). أكثرها مطلقات قيّدت بالسنة. وبعضها مجملات فسّرت بها. فالعمل بجميع تلك الآيات الكريمة ـ مع قلتّها بلحاظ كثرة الاحكام ـ لا يكون إلا بتوسط السنة.
والاجماع التعبدي التام إنما ثبت في موارد قليلة ، لاستناد المجمعين غالباً الى دليل آخر ، فاجماعهم مدركي لا حجية له.
والعقل قاصر عن ادراك ملاكات الاحكام وعللها التامة ، إلا في موارد نادرة لا محيص له من الحكم بها ، كحسن العدل ، وقبح الظلم.
فلم يبق لدينا إلا السنة التي ضاقت بها أصول الحديث ومجاميعه ، فانها وافية بما يحتاج اليه الفقيه في فتياه ، وان كثرت في العبادات ، وقلّت في المعاملات. فيكون البحث عن الحديث وقواعده من اهم الأبحاث عن مصدر التشريع وأصوله.
ولذا اهتم الفقهاء قديماً بشأن الحديث ، واجهدوا انفسهم فيه حفظاً وتدويناً ، وتفسيراً ، ويشهد بذلك ما وصل الينا منهم من كتب وآثار. جروا على نهج السلف الصالح من أصحاب النبي (ص) ، والأئمة من أهل بيته (ع) ، فان اهتمامهم بالحديث غني عن البيان.
والحديث قد يتواتر سنداً بحيث يحصل العلم بصدوره عن المعصوم (ع)
__________________
١ ـ وهي قول المعصوم (ع) أو فعله أوتقريره.
٢ ـ كنز العرفان ، ص ١٤.