ولأجل هذا الاضطراب الواقع في باب الجرح والتعديل اضطرب بعض الأعاظم في بعض الرواة ، فوثقهم تارة وضعفهم أخرى.
وهنا إشكال مهم ، وهو أن الرجالي الثقة قد يوثق أو يجرح من عاصره فيقبل قوله ، لكفاية احتمال الحس في شهادته بذلك. وقد يوثق أو يجرح من لم يعاصره ، فان صدر ذلك منه عن اجتهاد لا يقبل ، لما سبق من كون التوثيق والجرح من باب الشهادة ، وإن صدر عن حس فلا بد وأن يكون هناك واسطة قد اعتمد عليها في ذلك وهي مجهولة لنا ، فيكون إخباره عن حال الراوي من الخبر المرسل ، وعليه كيف يصح لنا الاعتماد عليه ، وأي فرق بين مراسيل الأحاديث في الأحكام ، ومراسيل الأخبار في الجرح والتعديل كي تهجر الأولى وتقبل الثانية؟.
ولا فرق في ذلك بين القدماء والمتأخرين ، فاطلاق توثيق العلامة لمن لم يعاصره كاطلاق توثيق النجاشي والشيخ الطوسي لمن لم يعاصره. واذا تحكّم هذا الاشكال سقطت أغلب التوثيقات عن الحجية ، ولم يبق إلا توثيق المعاصر للموثّق ، أو الذي اطلعنا على الطريق المعتبر اليه. وقد أجيب عن ذلك بوجهين.
الأول : أن توثيق النجاشي والشيخ الطوسي ونظائرهما لشخص لم يصدر عن اجتهاد منهم ، وإنما صدر بالنقل عن مشايخهم. وقد أحصيت الكتب المؤلفة في الرجال ما بين عصري النجاشي والحسن بن محبوب فبلغت حوالي خمسمائة كتاب ، فيكون توثيق من وثقوه متواتراً لديهم ، وعليه فلا يضر الجهل بحال الواسطة بينهم وبينه.