وقيل : المراد به الكلام القصد ليس بإيجازه مخلا ولا بإطنابه مملا ، وقيل : فصل الخطاب قول أما بعد فهو عليهالسلام أول من قال : أما بعد ، والآية التالية « وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ » إلخ تؤيد ما قدمناه.
قوله تعالى : « وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ » الخصم مصدر كالخصومة أريد به القوم الذي استقر فيهم الخصومة ، والتسور الارتقاء إلى أعلى السور وهو الحائط الرفيع كالتسنم بمعنى الارتقاء إلى سنام البعير والتذري بمعنى الارتقاء إلى ذروة الجبل ، وقد فسر المحراب بالغرفة والعلية ، والاستفهام للتعجيب والتشويق إلى استماع الخبر.
والمعنى هل أتاك يا محمد خبر القوم المتخاصمين إذ علوا سور المحراب محراب داود عليهالسلام.
قوله تعالى : « إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ » إلى آخر الآية لفظة « إِذْ » هذه ظرف لقوله : « تَسَوَّرُوا » كما أن « إِذْ » الأولى ظرف لقوله : « نَبَأُ الْخَصْمِ » ومحصل المعنى أنهم دخلوا على داود وهو في محرابه لا من الطريق العادي بل بتسوره بالارتقاء إلى سوره والورود عليه منه ولذا فزع منهم لما رآهم دخلوا عليه من غير الطريق العادي وبغير إذن.
وقوله : « فَفَزِعَ مِنْهُمْ » قال الراغب : الفزع انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف وهو من جنس الجزع ولا يقال : فزعت من الله كما يقال : خفت منه. انتهى.
وقد تقدم أن الخشية تأثير القلب بحيث يستتبع الاضطراب والقلق وهي رذيلة مذمومة إلا الخشية من الله سبحانه ولذا كان الأنبياء عليهمالسلام لا يخشون غيره قال تعالى : « وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ » الأحزاب : ـ ٣٩.
وأن الخوف هو التأثير عن المكروه في مقام العمل بتهيئة ما يتحرز به من الشر ويدفع به المكروه لا في مقام الإدراك فليس برذيلة مذمومة لذاته بل هو حسن فيما يحسن الاتقاء قال تعالى خطابا لرسوله : « وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً » الأنفال : ـ ٥٨.
وإذا كان الفزع هو الانقباض والنفار الحاصل من الشيء المخوف كان أمرا راجعا