منها وخاصة ما ورد في ذيل الآيات الماضية آنفا من قوله : « أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ » الآية.
لا يقال : لو كان غير الإنسان والحيوان كالجماد والنبات ذا شعور وإرادة لبانت آثاره وظهر منها ما يظهر من الإنسان والحيوان من الأعمال العلمية والأفعال والانفعالات الشعورية.
لأنه يقال : لا دليل على كون العلم ذا سنخ واحد حتى تتشابه الآثار المترشحة منه فمن الممكن أن يكون ذا مراتب مختلفة تختلف باختلافها آثارها.
على أن الآثار والأعمال العجيبة المتقنة المشهودة من النبات وسائر الأنواع الطبيعية في عالمنا هذا لا تقصر في إتقانها ونظمها وترتيبها عن آثار الأحياء كالإنسان والحيوان.
( بحث إجمالي فلسفي )
حقق في مباحث العلم من الفلسفة أن العلم وهو حضور شيء لشيء يساوق الوجود المجرد لكونه ما له من فعلية الكمال حاضرا عنده من غير قوة فكل وجود مجرد يمكنه أن يوجد حاضرا لمجرد غيره أو يوجد له مجرد غيره وما أمكن لمجرد بالإمكان العام فهو له بالضرورة.
فكل عالم فهو مجرد وكذا كل معلوم وينعكسان بعكس النقيض إلى أن المادة وما تألف منها ليس بعالم ولا معلوم.
فالعلم يساوق الوجود المجرد ، والوجودات المادية لا يتعلق بها علم ولا لها علم بشيء لكن لها ، على كونها مادية متغيرة متحركة لا تستقر على حال ، ثبوتا من غير تغير ولا تحول لا ينقلب عما وقع عليه.
فلها من هذه الجهة تجرد والعلم سار فيها كما هو سار في المجردات المحضة العقلية والمثالية فافهم ذلك.
قوله تعالى : « وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ »