وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ » البينات هي الآيات المعجزة التي تشهد على حقية الرسل ، والزبر جمع زبور ولعل المراد بها بقرينة مقابلتها للكتاب الصحائف والكتب التي فيها ذكر الله تعالى من غير أن تتضمن الأحكام والشرائع ، والكتاب المنير الكتاب المنزل من السماء المتضمن للشرائع ككتاب نوح وإبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى عليهالسلام ، ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى : « ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ » الأخذ كناية عن التعذيب ، والنكير الإنكار ، والباقي ظاهر.
( كلام في معنى عموم الإنذار )
قد تقدم في أبحاث النبوة في الجزء الثاني وفي قصص نوح عليهالسلام في الجزء العاشر من الكتاب ما يدل من طريق العقل على عموم النبوة ويؤيده الكتاب.
فلا تخلو أمة من الأمم الإنسانية عن ظهور ما للدعوة الحقة النبوية فيها وأما كون نبي كل أمة من نفس تلك الأمة فلا دليل عليه ، وقد عرفت أن قوله تعالى : « وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ » الآية مفاده ذلك.
وأما فعلية الإنذار ـ بحيث يبلغ كل فرد فرد من الأمة مضافا إلى أصل الاقتضاء ـ واطراد الدعوة في كل واحد واحد فحكومة العلل والأسباب المتزاحمة في هذه النشأة المادية لا توافقه كما لا توافق سائر المقتضيات العامة التي قدرها الصنع كما أن في بنية كل مولود إنساني أن يعمر عمرا طبيعيا والحوادث تحول بين أكثر الأفراد وبين ذلك ، وكل مولود إنساني مجهز بجهاز التناسل للاستيلاد والإيلاد وكثير من الأفراد يموت قبل بلوغه فلا يبلغ ذلك إلى غير ذلك من النظائر.
فالنبوة والإنذار عام لكل أمة ولا يستلزم استلزاما ضروريا أن تبلغ الدعوة كل شخص من أشخاصها بل من الجائز أن تبلغ بلا واسطة أو معها بعض الأمة وتتخلف عن بعض لحيلولة علل وأسباب مزاحمة بينه وبين البلوغ فمن توجهت منهم إليه الدعوة وبلغته تمت عليه الحجة ومن توجهت إليه ولم تبلغه لم تتم عليه الحجة وكان من المستضعفين