آخر : « وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ » الأنبياء : ـ ٧٩ يؤيد تعلق الظرف بسخرنا ، وقد وقع في موضع آخر من كلامه تعالى : « يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ » سبأ : ـ ١٠. والعشي والإشراق الرواح والصباح.
وقوله : « إِنَّا سَخَّرْنَا » إلخ « إن » فيه للتعليل والآية وما عطف عليها من الآيات بيان لكونه عليهالسلام ذا أيد في تسبيحه وملكه وعلمه وكونه أوابا إلى ربه.
قوله تعالى : « وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ » المحشورة من الحشر بمعنى الجمع بإزعاج أي وسخرنا معه الطير مجموعة له تسبح معه.
وقوله : « كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ » استئناف يقرر ما تقدمه من تسبيح الجبال والطير أي كل من الجبال والطير أواب أي كثير الرجوع إلينا بالتسبيح فإن التسبيح من مصاديق الرجوع إليه تعالى. ويحتمل رجوع ضمير « لَهُ » إلى داود على بعد.
ولم يكن تأييد داود عليهالسلام في أصل جعله تعالى للجبال والطير تسبيحا فإن كل شيء مسبح لله سبحانه قال تعالى : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » الإسراء : ـ ٤٤ بل في موافقة تسبيحها لتسبيحه وقرع تسبيحها أسماع الناس وقد تقدم كلام في معنى تسبيح الأشياء لله سبحانه في تفسير قوله تعالى : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » الآية وأنه بلسان القال دون لسان الحال.
قوله تعالى : « وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ » قال الراغب : الشد العقد القوي يقال شددت الشيء قويت عقده. انتهى فشد الملك من الاستعارة بالكناية والمراد به تقوية الملك وتحكيم أساسه بالهيبة والجنود والخزائن وحسن التدبير وسائر ما يتقوى به الملك.
والحكمة في الأصل بناء نوع من الحكم والمراد بها المعارف الحقة المتقنة التي تنفع الإنسان وتكمله ، وقيل : المراد النبوة ، وقيل الزبور وعلم الشرائع ، وقيل غير ذلك وهي وجوه ردية.
وفصل الخطاب تفكيك الكلام الحاصل من مخاطبة واحد لغيره وتمييز حقه من باطله وينطبق على القضاء بين المتخاصمين في خصامهم.