قصده ولا يدري لمن حمده أو جحده ، فلم يقبلوا من النّاصح الشفيق ، واجتهدوا في عداوته ومحاربته بكلّ طريق.
فاحتمل الناصح جهل المشفق عليه وتلافى (١) عداوته بالإحسان إليه ، حتّى أدّى الأمر إلى قهر هذا الضال الهالك ، وجذبه بغير اختياره إلى صواب المسالك.
فلمّا وقفه الناصح على صحيح المحجّة ، وعرّفه ما كان يجهله من الحجّة ، وأغناه بعد الفقر وجبره بعد الكسر ، وأعزّه بعد الذلّة ، وكثّره بعد القلة ، وأوطأه رقاب ملوك البلاد ، وأراه أبواب الظفر بسعادة الدنيا والمعاد ، قام ذاك الضّال عن الصواب الذي كان مفتضحا بعبادة الأحجار والأخشاب ومشابها للدّواب ، إلى ذريّة مولاه ، الّذي هداه وأحياه وأعتقه من رقّ الجهالة وأطلقه من أسر الضّلالة وبلغ به من السعادة ما لم يكن في حسابه.
فنازع هذا الناصح الشفيق ، الرفيق في ولده وفي ملكه ورئاسته وأسبابه ، وجذب عليهم سيفا كان للناصح في يديه ، وأطلق لسانه في ذرية ولاة المحسن إليه ، وسعى في التّقدم وأخذ ملكهم من أيديهم ، وسفك دمائهم ، وسبى ذريّتهم ونسائهم.
اما ترون هذا قبيحا في العقول السليمة وفضيعا في الآراء المستقيمة ، ويحكمون على فاعله بأنّه قد عاد على نحو ضلالة السالف ، وأوقع نفسه في المتألف وإلى الغدر والخيانة وسقوط المروّة والأمانة.
أفما كذا جرى لصاحب النبوة والوصية وولده مع من نازعهم في حقوق نبوته ورئاسته وهدايته ، فكيف صار الرعايا ملوكا لولد من حكّمهم في ملكه وساعين في استبعاد ولده أو هلكة أو إراقة دمه وسفكه.
تالله إنّ الألباب من هذا لنافرة غاية النفور ، وشاهدة انّ فاعله غير معذور.
أفترضون أن يصنع عبيدكم وغلمانكم وأتباعكم مع ذريتكم أو أقرب قرابتكم ، ما صنع عبيد محمّد وغلمانه واتباعه مع ذريته.
__________________
(١) تلقّى ( خ ل ).