الذي جاء بها الاملاك من عند الله عزّ وجلّ فقنعوا بما وقفوا عليه في الجامعة ، قال أبو حارثة : لا بل شارفوها (١) بأجمعها واسبروها (٢) ، فإنه أصرم (٣) للمعذور وارفع لحكّة (٤) الصدور ، وأجدر الاّ ترتابوا في الأمر من بعد ، فلم يجد من المصير إلى قوله من بدّ ، فعمد القوم إلى تابوت إبراهيم عليهالسلام قال : وكان الله عزّ وجلّ بفضله على من يشاء من خلقه ، قد اصطفى إبراهيم عليه بخلّته وشرفه بصلواته وبركاته وجعله قبلة وإماما لمن يأتي من بعده وجعل النبوة والإمامة والكتاب في ذريّته يتلقّاها آخر عن أول وورّثه تابوت آدم عليهالسلام المتضمّن للحكمة والعلم الذي فضّله الله عزّ وجلّ به على الملائكة طرّا.
فنظر إبراهيم عليهالسلام في ذلك التابوت فأبصر فيه بيوتا بعدد ذوي العزم من الأنبياء المرسلين وأوصيائهم من بعدهم ونظرهم ، فإذا بيت محمد صلىاللهعليهوآله آخر الأنبياء عن يمينه علي بن أبي طالب آخذ بحجزته ، فإذا شكل عظيم يتلألأ نورا فيه :
هذا صنوه ووصيّه المؤيّد بالنّصر ، فقال إبراهيم عليهالسلام : إلهي وسيّدي من هذا الخلق الشريف؟
فأوحى الله عزّ وجلّ : هذا عبدي وصفوتي الفاتح الخاتم وهذا وصيّه الوارث ، قال : ربّ ما الفاتح الخاتم؟ قال : هذا محمد خيرتي وبكر فطرتي (٥) وحجّتي الكبرى في بريّتي ، نبّئته واجتبيته إذا آدم بين الطين والجسد ، ثم إنّي باعثه عند انقطاع الزمان لتكملة ديني وخاتم به رسالاتي ونذري ، وهذا عليّ اخوه وصدّيقه الأكبر ، آخيت بينهما واخترتهما وصلّيت وباركت عليهما وطهّرتهما وأخلصتهما والأبرار منهما وذرّيتهما قبل ان أخلق سمائي وارضي وما فيهما من خلقي ، وذلك لعلمي بهم وبقلوبهم انّي بعبادي عليهم خبير.
قال : ونظر إبراهيم عليهالسلام فإذا اثنى عشر تكاد تلألأ إشكالهم لحسنهما (٦) نورا ،
__________________
(١) شارفه وعليه : اطلع من فوقه.
(٢) السبر : امتحان غور الشيء.
(٣) أصرم : اقطع.
(٤) لحسكة ( خ ل ) ، أقول : حكة الصدر : خلجان الشبهة فيها ، الحسكة : نبات تعلق ثمرته بالصوف ، والحقد والعداوة.
(٥) بكر فطرتي : أول خلقي.
(٦) بحسنها ( خ ل ).