قال : وبم ، ألم تعترف له بنبوّته ورسالته الشواهد؟ قال العاقب : بلى لعمرو الله ولكنهما نبيان رسولان يعتقبان بين مسيح الله عزّ وجلّ وبين الساعة ، اشتقّ اسم أحدهما من صاحبه محمد وأحمد ، بشّر بأولهما موسى عليهالسلام وثانيهما عيسى عليهالسلام ، فأخو قريش هذا مرسل إلى قومه ويقفوه من بعده ، ذو الملك الشديد والأكل الطويل ، يبعثه الله عزّ وجلّ خاتما للدين وحجّة على الخلائق أجمعين ، ثم تأتي من بعده فترة تتزايل فيها القواعد من مراسيها فيعيدها الله عزّ وجلّ ويظهره على الدّين كلّه ، فيملك هو والملوك الصالحون من عقبه جميع ما طلع عليه اللّيل والنهار من أرض وجبل وبرّ وبحر ، يرثون أرض الله عزّ وجلّ ملكا كما ورثهما أو ملكهما الأبوان آدم ونوح عليهماالسلام ، يلقون وهم الملوك الأكابر في مثل هيئة المساكين بذاذة واستكانة.
فأولئك الأكرمون الأماثل لا يصلح عباد الله وبلاده الاّ بهم ، وعليهم ينزل عيسى بن البكر عليهالسلام على آخرهم ، بعد مكث طويل وملك شديد ، لا خير في العيش بعدهم ، وتردفهم رجرجة (١) طغام (٢) في مثل أحلام العصافير وعليهم يقوم الساعة ، وانّما تقوم على شرار الناس وأخابثهم ، فذلك الوعد الذي صلى (٣) به الله عزّ وجلّ على أحمد كما صلى به خليله إبراهيم عليهالسلام في كثير ممّا لأحمد صلّى الله عليه من البراهين والتأييد الذي خبّرت به كتب الله الأولى.
قال حارثة : فمن الأثر المستقرّ عندك أبا واثلة في هذين الاسمين انّهما لشخصين لنبيّين مرسلين في عصرين مختلفين ، قال العاقب : أجل ، قال : فهل يتخالجك في ذلك ريب أو يعرض لك فيه ظن؟ قال العاقب : كلاّ والمعبود انّ هذا لأجلي من بوح (٤) ، وأشار له إلى جرم الشمس المستدير ، فأكبّ حارثة مطرقا وجعل ينكث في الأرض عجبا ، ثم قال : إنّما الآفة أيّها الزعيم المطاع ان يكون المال عند من يخزنه لا من ينفقه
__________________
(١) الرجرجة : من لا عقل له ، الجماعة الكثيرة في الحرب.
(٢) الطغام : رذال الناس.
(٣) أي جعله صلة.
(٤) بالياء والباء المضمومة كلاهما اسم للشمس.