والسلاح عند من يتزيّن به لا من يقاتل به والرّأي عند من يملكه (١) لا من ينصره.
قال العاقب : لقد أسمعت يا حويرث فاقذعت (٢) وطفقت فأقدمت فمه؟ قال (٣) أقسم بالذي قامت به السماوات والأرضون باذنه وغلبت الجبابرة بأمره انّهما اسمان مشتقّان لنفس واحدة ، واحد لنبيّ وواحد رسول ، واحد أنذر به موسى بن عمران وبشّر به عيسى بن مريم ومن قبلهما أشار به صحف إبراهيم عليهالسلام ، فتضاحك السيد ، يرى قومه ومن حضرهم ان ضحكه هزؤ من حارثة وتعجّب وانتشط العاقب من ذلك ، فأقبل على حارثة مؤنّبا (٤) ، فقال : لا يغررك باطل أبي قرّة فإنّه وان ضحك لك فإنّما يضحك منك.
قال حارثة : لئن فعلها لأنّها لإحدى الدهارس (٥) أو سوء أفلم تتعرّفا راجع الله بكما من موروث الحكمة لا ينبغي للحكيم ان يكون عبّاسا في غير أدب ولا ضحّاكا في غير عجب أو لم يبلغكما عن سيّد كما المسيح عليهالسلام ، قال : فضحك العالم في غير حينه غفلة من قلبه أو سكره ألهته عمّا في غده.
قال السيّد : يا حارثة انّه لا يعيش والله أحد بعقله حتّى يعيش بظنّه (٦) ، وإذا أنا لم أعلم إلاّ ما رويت فلا علمت أو لم يبلغك أنت عن سيّدنا المسيح علينا سلامه انّ الله عبادا ضحكوا جهرا من سعة رحمة ربّهم وبكوا سرّا من خيفة ربّهم؟ قال : إذا كان هذا فنعم ، قال : فما هنا فليكن مراجم ظنونك بعباد ربّك ، وعد بنا إلى ما نحن بسبيله ، فقد طال التنازع والخصام بيننا يا حارثة ، قالوا : وكان هذا مجلسا ثالثا في يوم ثالث من اجتماعهم للنظر في أمرهم.
__________________
(١) يهلكه ( خ ل ).
(٢) أقذعه : رماه بالفحش وسوء القول.
(٣) يعني حارثة.
(٤) أنّبه : عنّفه ولامه.
(٥) دهرس : الداهية والخفة والنشاط.
(٦) أي التعيش بالظنون الفاسدة أكثر من التعيش بالعقل ، وهذا كناية ان هكذا الكلام صادر من الظن الفاسد ، ومراده ان ضحكه لم يكن عبثا.