ولا ريب في وجوب ذلك الترك ، فلا يجوز أن يكون الفعل المتحقّق في ضمنه مباحا ؛ لأنّه لازم للترك ويمتنع اختلاف المتلازمين في الحكم.
وبشاعة هذا القول غير خفيّة *. ولهم في ردّه وجوه **
__________________
* عن الصحاح « البشاعة » بالفتح الكراهة والمرارة وهو مصدر « بشع » بالكسر ، فحاصل المعنى : أنّ كون هذا القول من جهة كونه دفعا للضرورة والإجماع ممّا يكرهه الطباع والأنظار غير خفيّ على أحد من اولي الأفهام والأبصار.
** وقد تقرّر بما تقدّم أنّ الّذي يمكن أن يستند إليه لهذا القول لا يخلو عن وجوه ثلاث ، وإن كان الدليل التحقيقي الصادر عن الكعبي واحدا منها :
أحدها : أنّ فعل المباح بعينه ترك للحرام فيكون واجبا بعينه.
وثانيها : أنّ ترك الحرام واجب ، ولا يتمّ إلاّ بفعل المباح لكونه مانعا عنه ، والمانع من الأسباب المقتضية للعدم ، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به واجب.
وثالثها : ما أشار إليه المصنّف من أنّ فعل المباح مستلزم لترك الحرام وهو واجب ، ومستلزم الواجب واجب لامتناع اختلاف المتلازمين في الحكم.
أمّا الوجه الأوّل : فلم نجد في ردّه من كلام القوم ما يدفعه ويسلم عن المناقشة إلاّ ما في كلام بعض الأفاضل ، حيث قال : « إنّ الإتيان بالضدّ ليس عين رفع الفعل وإنّما يلابسه ويقارنه ، وإنّما الواجب هو الترك المقارن له ، فلا قاضي بوجوب الضدّ المقارن لذلك الواجب » إلى آخره ، وهو في كمال المتانة.
ولكن الأولى في تقرير الدفع أن يقال : إنّ العينيّة إن اريد بها اتّحادهما مفهوما ومصداقا.
ففيه : أنّه دفع للضرورة وإنكار لمقتضى الحسّ والوجدان ، كيف وأنّ الفعل والترك متقابلان تقابل الإيجاب والسلب ، مضافان إلى متقابلين تقابل التضادّ فكيف يعقل اتّحادهما بحسب المفهوم.
وإن اريد بها اتّحادهما مصداقا وإن تغايرا مفهوما كما في الاثنين ونصف الأربعة ، حيث يتّحدان في الخارج وإن تعدّدا في الذهن.
ففيه : أنّ هذا الاتّحاد ينشأ عن كون أحد المفهومين لازما للمفهوم الآخر ، ولا يلزم من