تحديد الوجوب بما يذمّ تاركه ، لأنّه ليس تحديدا لما يفهم من الأمر لغة وعرفا ، بل لما يقتضيه قرينة المقام الّذي هو أخصّ من الأوّل.
فإذا تعيّن الوجه التالي رجع محصّل الاحتجاج إلى النظر في لازم أخصّ كاشف عن فهم الأعمّ عند العقلاء وتبادره لدى العرف ، فيكون نظير استدلالهم بذمّ العقلاء على كون « افعل » حقيقة في الوجوب بالتوجيه الّذي قدّمنا ذكره في محلّه ، فعلى هذا يكون الدليل وافيا بتمام المدّعى من اقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ ، سواء صدر ممّن يوجب مخالفته استحقاق أو غيره.
فلا وقع لما أجاب به عنه العضدي ـ على ما في شرح الشرح ـ من أنّ ذلك مبنيّ على كون الذمّ على الترك ممّا يعقله الآمر ويدلّ الأمر على لزومه عقلا لا أنّه يعلم بدليل خارجي وهو في محلّ المنع ، إذ العلم بالذمّ يستفاد من دليل خارجي ، ولهذا جوّز بعض الاصوليّين الإيجاب بدون الذمّ ولو كان الذمّ من معقول الإيجاب لما يمكن من تجويزه ، فإنّ كون الذمّ معقولا من دليل خارجي لا يقضي بكون النهي الّذي هو ملزوم له في موضع الدليل الخارجي معقولا عن دليل خارجي ، لجواز كونه معقولا عن نفس « الأمر » مع كون الذمّ معقولا عمّا قارنه من الدليل الخارجي ، كما أنّ الإيجاب معقول عن « الأمر » والذمّ على مخالفته معقول عن دليل مقارن له ، وهو كون الآمر ممّن يجب طاعته.
فإن قلت : إذا جاز استناد تعقّل الذمّ إلى دليل خارجي فكيف يعقل التفكيك بينه وبين تعقّل الإيجاب وتعقّل النهي عن الضدّ ، إذ الخطاب واحد وما قارنه من الدليل الخارجي مقارن له في جميع معقولاته.
قلت : ليس المراد بتعقّل الذمّ أنّه ينفهم عند الخطاب من الخارج ، لأنّه ممّا يترتّب على المخالفة وهي متأخّرة عن الخطاب ، بل بمعنى أنّ الاستحقاق لتوجّهه عند المخالفة ينشأ عن علوّ رتبة الآمر وتفوّقه على المأمور ، ولمّا كان ذلك فرع العصيان وهو فرع الوجوب يكشف عن فهم العقلاء للوجوب من الخطاب عند صدوره.
غاية ما هنالك احتمال استناد فهمهم إلى ما ذكر وهو مدفوع بالأصل.
فاتّضح بجميع ما ذكر أنّ الاحتجاج لو كان مرادا به ما ذكر كان ناهضا على دعوى الدلالة اللفظيّة الّتي يطالب فيها بالأمارات ، وأمّا كونها على سبيل التضمّن أو الالتزام فالإنصاف أنّه ساكت عن إفادته وصالح لكلّ منهما ، وإن كان الواقع في جملة من الكتب