حيثما اطلق في الأعمال الباطنيّة من الظنون والقصود ونحوها.
ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً )(١) فإنّ السمع والبصر ظاهران في الحاسّتين المعروفتين والفؤاد في القلب ، ومعنى السؤال عن كلّ السؤال عمّا عمله ، فإنّ لكلّ عملا في كلّ من الطاعة والمعصية ، كما ورد في التفسير ـ على ما قيل : ـ « إنّ السمع يسأل عمّا سمعه والبصر عمّا رآه والفؤاد عمّا عقده » والسؤال فرع تعلّق الخطاب ، فلولا عمل القلب من قصده واعتقاده متعلّقا للخطاب لما كان لذكره في جملة ما ذكر وجه.
هذا على تقدير عود الضمير المجرور إلى المذكور ، وأمّا على تقدير عوده إلى غيره وهو نفس المكلّف فيخرج عن محلّ الاستدلال ، لكونه حينئذ من باب الإنطاق الّذي ورد به الأدلّة كتابا وسنّة في سائر الجوارح والأعضاء.
ومنها : قوله تعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً )(٢) فإنّه تعالى خصّ الدار الآخرة بمن لا يريد الأمرين ، وهو وعيد لمن يريدهما ، فلولا مجرّد الإرادة مبغوضا في نظره لما صحّ ذلك.
لا يقال : المراد بالإرادة هنا ما يقارنه الفعل ولا كلام فيه ، لمنافاته لما في رواية عن أمير المؤمنين عليهالسلام ـ على ما في تفسير المحدّث ـ إنّه قال : « الرجل ليعجبه شراك نعله فيدخل في هذه الآية ».
وفي اخرى ـ كما فيه وفي المجمع ـ عن عليّ عليهالسلام « إنّ الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها » فإنّ هذا الرجل إذا دخل تحت الآية فقاصد المعاصي بطريق أولى.
ومنها : قوله تعالى : ( الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ )(٣) فإنّ المراد بالمحبّة إمّا معناها الظاهر وهو الصفة النفسانيّة ، أو ما يقرب منه وهو إرادة شيوع الفاحشة ، أو السعي في إشاعة فاحشة الغير ، والأوّل غير صالح للتوعيد لعدم كونه من الاختياريّات ، فتعيّن الثاني لكونه أقرب إلى المحبّة بعد تعذّر الحقيقة ، فإذا كان إرادة شيوع فاحشة الغير محرّمة فإرادة شيوع فاحشة النفس أولى بالتحريم ، غير أنّه مبنيّ على كون المراد بشيوع الفاحشة حدوثها وخروجها عن العدم إلى الوجود ، وهو خلاف ما يتبادر منه
__________________
(١) الإسراء : ٣٦.
(٢) القصص : ٨٣.
(٣) النور : ١٩.