على ما يذهب إليه العدليّة واضح الفساد ، إذ لا فرق بين المذهبين بعد الاتّفاق على ثبوت الإرادة في موقع التكليف إلاّ في كونها عين الطلب أو غيره ، فالطلب ثابت عند الفريقين.
غاية الأمر أنّ الأشاعرة يجعلونه وصفا زائدا على الإرادة مغايرا لها خلافا للعدليّة ، فالاعتراف بكون حقيقة التكليف هي الإرادة اعتراف بكونها الطلب ، وكون حقيقة التكليف هو الطلب ممّا لا ينكره الأشاعرة أيضا ، فإن كان الطلب ممّا لا سبيل إلى إثباته في المقدّمات على مذهب الأشاعرة فكذلك الإرادة على مذهب العدليّة لعدم المغايرة بينهما عندهم ، وإن كانت الإرادة ثبوتها بديهيّا على العدليّة فكذلك الطلب على الأشاعرة لأنّه عين الإرادة على الأوّل ، فالفرق تحكّم.
ولو سلّم الفرق فنقول بفساد المبنى من دعوى عدم مغايرة الطلب للإرادة ، والوجه في ذلك أنّ الفعل على ما يشهد به البديهة والوجدان المغني عن إقامة البرهان ما لم يظهر فيه رجحان أو مرجوحيّة امتنع أن يتعلّق به إرادة أو كراهة ، ضرورة استحالة الترجيح من غير مرجّح ، كما أنّه لولا مصلحة أو مفسدة كامنتين فيه لما ظهر فيه ذلك الرجحان ولا المرجوحيّة ، ضرورة امتناع الترجّح بلا مرجّح فلذا ترى العدليّة أطبقوا على أنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة ، وتلك المصلحة بالقياس إلى الأفعال قد تكون ثابتة في طبيعة واحدة معيّنة بحيث لا تتأدّى إلاّ بإيجاد تلك الطبيعة بعينها في الخارج ، وقد تكون ثابتة في طبيعتين فما زاد فتتأدّى بحصول أيّ منها في الخارج على البدل.
ومن هنا نشأ انقسام الواجب إلى التعييني والتخييري.
وعلى كلا التقديرين فهي قد لا تقتضي إلاّ حصول الفعل في الخارج كائنا ما كان ولو من البعض فيسقط عن الباقين ، وقد تقتضي حصوله من كلّ واحد على الانفراد من غير قيام حصوله عن بعض مقام حصوله عن آخر. ومن هنا جاء الانقسام إلى الكفائي والعيني.
وعلى جميع التقادير فأوّل ما ينشأ منها في النفس ـ على ما يرشد إليه الفطرة السليمة ـ إنّما هو ظهور رجحان جانب الفعل على جانب الترك ، ثمّ عقيبه الحبّ النفساني الّذي قد يعبّر عنه بالميل القلبي ، ثمّ عقيبه إرادة حصوله في الخارج من دون إعمال علاج ولا جارحة ، ثمّ عقيبها طلب تحصيله المقارن لاعتبار النسبة بينه وبين فاعله الّذي يخاطب به ويلزمه حينئذ القيام بإيجاد ما يكشف عنه من الألفاظ الدالّة عليه بالوضع أو القرينة أو غيرها ممّا يجري مجرى ذلك ، فلذلك تراهم يعبّرون عنها بالكلام الإنشائي ويعرّفونه بأنّه