وإن لم يكن فعلا اختياريّا فعلا اختياريّا بعنوان الحقيقة.
فالّذي يزعم أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار بقول مطلق إن كان ممّن تمسّك به لمنع الملازمة في الدليل المتقدّم أو غيره من موارد الامتناع الاختياري الّتي يمنع فيها التكليف بما لا يطاق موضوعا لا يناسبه إلاّ إرادة المعنى الأوّل ، كما هو مرادنا فيما سيأتي من إطلاق القول بالقضيّة بالنسبة إليه من الصور الآتية ، أو إرادة المعنى الثاني ـ كما فهمه المحقّق السابق ذكره في عبارته الّتي حكيناها آنفا ، وإن كان ممّن تمسّك به لمنع بطلان اللازم في الدليل المذكور كما في كلام الأكثر ـ فلا يلائمه إلاّ المعنى الأخير.
كما أنّ الذاهب إلى المنافاة بقول مطلق ليس نظره إلاّ إلى هذا المعنى على ما يشهد به تعليله في تلك الدعوى ، كما أنّ أوّل القولين المفصّلين لا يرتبط إلاّ بهذا المعنى ، وأمّا ثانيهما فهو من حيث الشرط فرض لكلّ من المعنيين الأوّل والثالث ومن حيث المشروط مصيرا إلى كلّ من القولين في الجملة الأوّل والثاني.
ثمّ إنّ الامتناع الناشئ عن الاختيار إمّا أن يكون مسبّبا عن اختيار العدم ، أو اختيار سبب العدم بإعدام مقدّمة الوجود ، أو ايجاد مانعه ، أو عدم الإتيان بمقدّمته ، وعلى جميع التقادير فإمّا أن يكون الامتناع مقدورا على رفعه أو لا ، فهذه ثمانية صور.
وإن شئت تصويرها جيّدا فلاحظ الأمثلة من إرادة ترك المأمور به الموسّع وتركه الموجب لامتناع حصوله ما دامت الإرادة باقية ، وتعمّد الإفطار في نهار رمضان من غير عذر ، ونقض طهارته الحدثيّة الموجبة لامتناع المشروط بها مع تمكّنه من تحصيلها ثانيا ، وقطع اليدين وغيرهما من أعضاء الوضوء الموجب لامتناع حصوله ، وإحداث الجنابة الموجب لامتناع حصول المشروط بالطهارة ما دامت الجنابة باقية في غير الصيام لنهار رمضان ، ومنه اختيار الكفر على الإيمان الموجب لعدم صحّة الفروع ما دام الكفر باقيا في غير المرتدّ الفطري ، وإحداث الجنابة في نهار الصيام مقارنا لطلوع الفجر أو قبله بلا فاصلة زمان.
ومنه الكفر في المرتدّ عن فطرة ، وعدم الخروج مع القافلة الاولى في سفر الحجّ ، فإنّه يوجب الامتناع ما دام باقيا على تلك الحال إلى زمان خروج القافلة الاخرى ، ومنه ترك السعي في تحصيل الماء عند وجوب الوضوء مع تمكّنه منه ما دام الوقت باقيا ، كما أنّ منه ترك الجاهل بالعبادات السعي في تحصيل العلم مع علمه الإجمالي أو لا معه أيضا مع تقصيره ، وترك الخروج مع القافلة الأخيرة في سفر الحجّ ، فإنّه يوجب الامتناع الغير المقدور