وممّا ذكرنا من الوجهين في توجيه انتفاء الطلب التفصيلي في القضايا الشأنيّة ينقدح أنّه لا حجر في التزام الطلب الشأني بالنسبة إليه تعالى حتّى يتوجّه : أنّ وجوب المقدّمة على تقديره لا يمكن أن يكون من هذا الباب لكونه من قبل الله عزّ وجلّ ، لأنّ ذلك إنّما يتوجّه لو حصرنا منشأ الانتفاء في عدم الالتفات وقد علمت خلافه.
وظاهر أنّ الوجه الآخر أيضا ممّا يوجبه ولا يستلزم محذورا وبهذا الاعتبار سوّغنا كون المستقلاّت العقليّة من هذا الباب كما هو الآن أرجح الاحتمالات.
نعم يرد المحذور على من جعل المنشأ في المقام عدم الالتفات فقط ضرورة امتناعه عليه سبحانه.
وملخّص ما ذكرناه : أنّ الوجوب الشأني يرجع دعواه في العرفيّات إلى دعوى العلم بانتفاء [ الطلب ] الفعلي التفصيلي للعلم بعدم الالتفات ، وفي الشرعيّات إلى دعوى عدم العلم بتحقّقهما وهو كاف في الالتزام بوجوب المقدّمة شأنا أخذا بموجب الأدلّة المتقدّمة ، فهذا مرادنا من وجوب المقدّمة.
والمثبتون له إن أرادوا به أيضا هذا المعنى فمرحبا بالوفاق ، وإن أرادوا أزيد من ذلك فعليهم بالإثبات وأنّى لهم بذلك ، مع أنّ ما ذكروه في المقام من الاحتجاجات إمّا فاسد الوضع أو غير قاض بأزيد ممّا ذكرنا.
وأمّا النافون لذلك فإن كان نظرهم إلى ما قرّرناه فنلزمهم بما قرّرناه ، وإن كان إلى أزيد من ذلك فنحن أيضا وافقناهم عليه.
وبما ذكرناه تبيّن أنّ الوجوب الشأني لا مجرى له إلاّ فيما لا نصّ فيه ، وأمّا ما فيه نصّ فإن كان نصّه من باب الصيغ الموضوعة للإنشاء فيمتنع فيه ذلك ، لأنّ الإنشاء يلازم الفعليّة كما لا يخفى ، ومثلها الصيغ المستعملة في الإنشاء مجازا كالجمل الخبريّة.
وإن كان من باب الصيغ الموضوعة للإخبار المفيدة للحتم والإلزام وضعا كـ « أوجبت ، وأمرت ، وطلبت » ونحو ذلك فهو الظاهر بل النصّ أيضا.
فقضيّة ما حقّقناه وجوب حمل الطلب الّذي أخذوه في تفاسيرهم للوجوب على ما يعمّ الشأني أيضا لينطبق التعريف الاصطلاحي على معناه العرفي ، وإن كان في بادئ الأمر ظاهرا في الفعلي خاصّة ، إلاّ أنّه ظهور بعد قيام الصارف لا عبرة به أصلا.
وممّا يرشد إلى إرادتهم الأعمّ ما ذكروه في تعريف الواجب من : أنّه ما يذمّ تاركه أو