لكان خلاف الفرض والتقادير كلّها باطلة.
أمّا الأوّل : فلأنّ الّذي ينافي الحكمة إنّما هو إرادة ترك المقدّمات حتما بالفعل أو الرضاء بتركها ـ لإفضاء الأوّل بالنسبة إلى ذي المقدّمة إلى التكليف بما لا يطاق ، فلذا صار المحقّقون إلى عدم جواز اجتماع المقدّمة مع الحرام ، وإفضاء الثاني بالنسبة إليه أيضا إلى نقض الغرض ، أو الجمع بين النقيضين لأنّ الرضاء بترك المقدّمة في معنى الرضاء بترك ذيها وهو يناقض المنع عن تركه ـ لا عدم إرادة فعل المقدّمات حتما بالفعل وإلاّ لانسدّ باب الدلالة بالإشارة في خطابات الحكيم ، بناء على أنّها لم يخصّصها أحد بغير الاقتضائيّات مع أنّ المناط واحد ، فالّذي يسوّغها في غيرها ـ كما في دلالة الآيتين على أقلّ الحمل ـ يسوّغها فيها من غير فرق ، فإبداء الفرق عن كلّ من يبادر إليه تحكّم.
وأمّا الثاني : فلأنّ المراد بالعلم إمّا التصديق بمقدّمية المقدّمة أو الإذعان بوجوبها.
وأيّا مّا كان فلا يستلزم المطلوب ، إذ الأوّل لا يلازم إرادة فعلها حتما بالفعل ولا يوجب انتفاؤها فعلا انقلابه جهلا ، لتعدّد موضوعيهما.
ولو سلّم الملازمة فهي بين الإرادة الحتميّة والعلم بالعلم لا بينها وبين نفس العلم ، والذهول عن العلم ممكن عقلا بل شائع وقوعه خارجا ، وهو قد يوجب عدم تحقّق الإرادة الحتميّة فعلا.
والثاني مسبوق بتحقّق الإرادة فعلا (١) فكيف يجعل تحقّقها فعلا متفرّعا عليه إلاّ على تقدير جواز الدور ، ولو دفع ذلك بأنّ العلم سابق على تحقّق الإرادة ، لأنّ المراد به العلم بأنّ مقدّمات كلّ مأمور به من شأنها أن يريدها الآمر حتما عند إصدار الأمر فعلا ، وهو لا يتوقّف على صدور الأمر فعلا فضلا عن الإرادة الفعليّة ، لأنّه حاصل لكلّ أحد ولو لم يصدر منه أمر قطّ ، فلم لا يكتفى به بعد صدور الأمر أيضا؟ لأنّ مبناه على جعل الإرادة والطلب المعتبرين في الوجوب أعمّ من الشأني ، فإذا صدق الوجوب معهما شأنا لا يتفاوت الحال حينئذ بالنسبة إلى ما قبل الأمر أو ما بعده ، فلا وجه لالتزام أنّ العالم بوجوب المقدّمة يلزمه تحقّق الإرادة الفعليّة حتما بالنسبة إليها ، لجواز أن يستمرّ على العدم الأصلي اكتفاء في إيجابها بالطلب الشأني ، وعليه لا يتفاوت الحال أيضا بين العالم والجاهل لتساوي نسبة القضيّة الشأنيّة إليهما معا ، فلا وجه لصرف دعوى وجوب المقدّمة عمّا صدر من غير العالم.
ومع الغضّ عن جميع ذلك فالملازمة ـ على فرض تسليمها ـ إنّما هي بين الإرادة
__________________
(١) لأنّ الآمر بعد ما أراد فعل المقدّمة حتما حصل له العلم بوجوبها فهو موقوف على تحقّق الإرادة فعلا وبدونه لا علم ( منه ).