لا يصحّ السلب ولو قبل تحقّق الشرط ، ولكنّه لا يقدح فيما قدّمناه لخروجه عن محلّ البحث بورود الطلب حينئذ مطلقا لا مقيّدا.
ثمّ إنّه لو ورد في شيء واحد خطابان أحدهما قاض بوجوبه النفسي والآخر بوجوبه الغيري كقوله : « تطهّر » مع قوله : « تطهّر للصلاة » فهل يوجب ذلك تقييد الأوّل بالثاني ، والحكم بكون المراد به أيضا هو الوجوب الغيري أو لا؟ بل لابدّ من إعمالهما معا والحكم بكون ذلك الشيء واجبا نفسيّا وغيريّا باعتبارين ، أو لابدّ من الوقف أوجه ، أوجهها الفرق بين صورتي العلم بوحدة التكليف وعدمه.
فعلى الأوّل ينتهض المقيّد قرينة على التجوّز في المطلق بإرادة الغيري لفهم العرف ، كما في قوله : « أطعم أسدا » مع قوله : « أطعم أسدا يرمي » في موضع العلم بأنّ لا تكليف إلاّ واحدا.
ويؤيّده أصالة البراءة عن العقاب وتعدّد التكليف ، بل تعدّد العقاب إذا لوحظ ذلك الشيء مع الغير الّذي امر به لأجل وجوبه ، وإن قلنا بترتّب العقاب على ترك الواجبات الغيريّة.
وعلى الثاني يبنى عليهما معا لأصالة الحقيقة وعدم المنافاة بينهما مع عدم تعذّر الحقيقة ، ولا يعارضها ندرة ما كان واجبا بكلا الاعتبارين لعدم غلبة في الغيري ، وكونها حاصلة فيما بينه وبين النفسي لا يجدي في الحمل عليه ، ولا سيّما مع ملاحظة كون النفسي أغلب منه كما تقدّم ، فلا أثر للندرة المذكورة ولا لتلك الغلبة ، ولو سلّم فلا نسلّم اعتبارها في خصوص المقام إذ لم يقم عليه دليل ، ولا فرق فيما ذكر من الفرق بين العلم بتاريخي الخطابين بأقسامه الثلاث وبين الجهل بهما أو بأحدهما.
ومن هنا يتبيّن الكلام فيما لو علم بوجوب شيء للغير بدليل غير لفظي كالإجماع ونحوه ، ثمّ ورد في ذلك الشيء خطاب لفظي قاض بوجوبه لنفسه ، فكون الأوّل موجبا لتقيّد الثاني وانصرافه إلى الوجوب الغيري مبنيّ على ما ذكر ، ومع عدمه يبنى على الظاهر فيلتزم بقسمي الوجوب لعين ما تقدّم.
المرحلة الرابعة فيما لو ثبت الوجوب بدليل غير لفظيّ وتردّد بين كونه نفسيّا أو غيريّا ، ومعلوم أنّ الفرض إنّما يصحّ فيما لوحظ معه غيره الّذي علم بكونه نفسيّا فشكّ في أنّه بالإضافة إليه هل هو واجب غيريّ أو لا؟ ولا يفرق في ذلك بين كون وجوب ذلك الغير بدليل لفظيّ أو لبّيّ ، فحينئذ لا مناص من المراجعة إلى الاصول العمليّة من براءة أو اشتغال ، ويختلف الحكم حينئذ.