التأكيد أيضا في مواضع الغفلة أو الاشتباه أو احتمال التجوّز في المسند أو المسند إليه أو متعلّقات المسند نوع من الإفادة ، بل هي فيها أولى بالمراعاة حيث يصان به خروج الكلام لغوا ولزوم فوات غرض المتكلّم.
ولو استند إلى ظهور الكلام بنفسه في [ التأسيس ](١) ففيه : أنّ الظاهر من الكلام في خصوص المقام إنّما هو التأكيد.
ولو استند إلى غلبة وقوع التأسيس في المخاطبات ، ففيه : أنّها في النوع مسلّمة ، والقضيّة في الصنف منعكسة ، بل لا يكاد يعهد في الاستعمالات ورود الأمرين كالصورة المفروضة واريد بهما التأسيس ، وظاهر أنّ غلبة النوع لا تقاوم غلبة الصنف في المعارضة ، لكون الظنّ المعتبر في أمثال المقام في جانبها.
وبذلك نجيب عن التقرير الآخر للدليل ، فإنّ الظنّ يلحق الشيء بالأعمّ الأغلب في جنسه أو نوعه إذا لم يكن في صنفه ما يقتضي بلحوقه بذلك الصنف وقد عرفت خلافه.
ولو سلّم فالتشبّث بقاعدة الإلحاق إنّما يستقيم إذا لم يكن الشيء مظنونا في وصفه ، وقد عرفت أنّ المظنون في خصوص المقام على ما هو ظاهر المحاورة ورود الأمر الثاني تأكيدا للأوّل.
والجواب عن التقرير الثالث : منع خروج التأكيد عمّا هو الغرض الأصلي من وضع الألفاظ ، فإنّ الألفاظ إنّما وضعت لغرض الإفادة والاستفادة ، والتأكيد في مظانّ فواته متمّم له بل محصّل له في أغلب موارده كما عرفت.
سلّمنا ولكن حكمة الوضع إنّما توجب رجحانا في مواضع الاحتمال إذا لم ينهض في المقام ما يقضي بالخروج عنها ، كما في المجازات وغيرها من الامور المتخالفة لها عند قيام قرائنها الدالّة ، وغلبة التأكيد في الصنف مع ظهوره بنفسه في خصوص المقام توجب الانصراف عنها ، وإلاّ لانسدّ باب ما لا شبهة في كونه أولى بمخالفة الحكمة وهو كما ترى.
وربّما يجاب عن هذا الوجه ـ كما في المنية ـ : بأنّا لا نسلّم لزوم كونه للتأكيد على تقدير صرفه إلى الفعل المأمور به أوّلا ، وإنّما يلزم ذلك لو لم يدلّ الأمر على طلب الفعل حال إيجاد الأمر.
وأمّا على هذا التقدير فلا ، لأنّ الأمر الثاني دالّ على طلب الشارع في زمانه لذلك الفعل المأمور به أوّلا.
__________________
(١) في الأصل : « التأكيد » بدل « التأسيس » والظاهر أنّه سهو من قلمه الشريف ، والصواب ما أثبتناه في المتن.