على خلوّ المقام عن العلوّ بالمرّة ، لجواز كون ذلك الخطاب من فرعون إنّما سيق إلى من هو أعلى رتبة منه من ملائه ، بأن يكون مخاطبوه أهل العلم أو الحكمة من قومه كما هو الحال في سائر العلماء في سائر الأعصار والأمصار بالقياس إلى سلاطينهم حيث يرتفعون على السلاطين ، مع أنّ الاحتجاج بعد الغضّ عمّا ذكر إنّما يستقيم إذا قدّر المفعول ضميرا للمتكلم ، وأمّا إذا قدّرناه ضميرا للمخاطبين مستترا في الفعل على جهة النيابة عن الفاعل بدعوى : أنّ الفعل مبنيّ للمفعول ، فلا ، كما لا يخفى.
ومع الغضّ عن ذلك أيضا فليس في الآية إلاّ إطلاق مجرّد ، وهو بنفسه لا يصلح دليلا على الحقيقة جزما ، كما أنّه على تقدير صلوحه لذلك لا يصلح معارضا لما تقدّم من الوجوه القاضية باعتبار العلوّ لا محالة ، مع إمكان أن يقال : بكونه مناط الإطلاق هاهنا ، بدعوى : أنّه نزّلهم منزلة العالي فأطلق عليهم ما هو من خصائصه.
وبمثل ذلك يجاب عن الوجهين الأخيرين ، مضافا إلى ما سبقه من منع دلالة الإطلاق على ما هو المقصود ، مع إمكان أن يستكشف كونه في خصوص المقام على وجه المجاز عن توصيف « الأمر » بالجزم ، نظرا إلى أنّ الأمر الحقيقي لا يوصف به وإنّما يوصف به عرفا ما ليس بأمر حقيقة تنبيها على كونه يفيد مفاد « الأمر » في إرادة الحتم وقصد الإلزام كما لا يخفى.
فممّا قرّرنا جميعا تقرّر أنّ حقّ الأقوال هو القول الثاني ، فلا بدّ في صدق « الأمر » عرفا وكذلك لغة بضميمة أصالة عدم النقل من اعتبار العلوّ ، لدوران الصدق معه في الوجود والعدم ، وصحّة السلب مع خلوّه ، ولكن لا بدّ مع ذلك من اعتبار الحتم والإلزام مع الطلب ، والمراد به جعل الشيء لازما أو طلب الفعل مع عدم الرضا بالترك ، فلو صدر لا على سبيل الحتم والإلزام ليس من « الأمر » لغة ولا عرفا ولا شرعا لصحّة السلب عنه على الإطلاق ، مضافا إلى عدم إطلاقه عليه في شيء من الموارد وخصوص قوله صلىاللهعليهوآله « لو لا أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك » (١) وقوله الآخر لبريدة حينما طلب عنها المراجعة إلى زوجها : « لا بل أنا شافع » (٢) بعد قولها : « أتأمرني يا رسول الله؟ » مع ثبوت الطلب الندبي في كلا المقامين.
أمّا في الأوّل : فلما دلّ على استحباب السواك بنفسه من النصوص الكثيرة البالغة حدّ الاستفاضة بل التواتر.
وأمّا الثاني فلقضاء قوله : « بل أنا شافع » نظرا إلى أنّ الشفاعة عرفا مرادفة للندب أو
__________________
(١) الوسائل ١ : ٣٥٥ ب ٥ من أبواب السواك ، ح ٣.
(٢) الكافي ٥ : ٤٨٥.