وفيه : ـ مع أنّ هذه الأوامر على ما يساعده النظر لا يراد منها إلاّ بيان الواقع لكونها إرشاديّة فتناول المندوبات أيضا ، فلذا يقال : إنّ الإتيان بالمندوب أيضا طاعة ، مع أنّه لا وجوب فيها جزما ـ أنّ تلك الآيات والروايات تصلح قرينة عامّة للأوامر الخاصّة ، فيدور الأمر فيها بين كونها مؤكّدة أو غيرها من الأنواع الاخر.
ومن البيّن أنّ الاستدلال لا يستقيم إلاّ على فرضها مؤكّدة ، وهو ممّا ينفيه أولويّة التأسيس من التأكيد ، لا لما أفاده أرباب المعاني والبيان من أنّ في التأسيس إفادة وفي التأكيد إعادة ، والإفادة أولى من الإعادة لوضوح ضعفه عندنا ، بل لما قرّرناه في مباحث الأمارات من الجزء الأوّل من الكتاب من غلبة القرائن المؤسّسة على المؤكّدة صنفا وشخصا كما لا يخفى على المتدرّب.
وقضيّة ذلك دوران الأوامر بين كونها مجازات في الوجوب أو مشتركات بينه وبين الندب لفظا أو معنى ، وأيّا مّا كان فهو مناف للمطلوب جزما.
ومنها : أنّ « الأمر » ضدّ للنهي ، وهو حقيقة في طلب الترك حتما ، فيكون « الأمر » حقيقة في الوجوب.
وفيه : بطلان القياس في اللغات بوفاق من المؤالف وجمهور المخالف.
ومنها : أنّ الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده ، وقد عرفت مقتضى النهي فيكون فعل المأمور به واجبا.
وفيه : ـ مع أنّه مفض إلى الدور ، إذ النهي الضمني لا يكون مطلوبا به الترك حتما إلاّ إذا كان « الأمر » حتميّا ، فلو توقّف ذلك على كون ذلك النهي حتميّا لزم الدور ـ أنّ النهي في كونه حتميّا وعدمه يتبع « الأمر » فإذا كان « الأمر » عند الخصم للندب يكون ما تضمّنه من النهي للتنزيه ، فكيف يستدلّ على بطلان مذهبه بما ذكر ، مع أنّه مبنيّ على كون « الأمر » للوجوب وهو لا يسلّمه.
ومنها : أنّ صيغة « افعل » تدلّ على اقتضاء الفعل وإيجاده ، فيكون مانعا من نقيضه كالخبر ، فإنّه لما دلّ على المعنى منع من نقيضه ، والجامع أنّ اللفظ وضع لإفادة معنى فيكون مانعا من النقيض تكميلا لذلك المقصود وتقوية لحصوله.
وفيه : مع أنّه قياس لا تعويل عليه في العلميّات ولا سيّما اللغات ، أنّ كون الصيغة للندب لا ينافي حكم المقيس عليه ، لعدم الفرق بينه وبين كونها للوجوب في ذلك الحكم ، فإنّ مدلول