الثالث : أنّ صحّة السلب وعدمها في كونهما علامتين مقصوران على مجراهما لفظا واصطلاحا وزمانا ، فيجب الاقتصار في الحكم بالحقيقيّة أو المجازيّة على لفظ أو طائفة أو زمان وجدا فيه ، ولا يتعدّى من جهتهما إلى لفظ آخر ، ولا إلى طائفة اخرى ولا إلى زمان آخر ، إلاّ لوسط آخر ، وكذا الحال في التبادر وعدمه ، فلو ثبت بالتبادر أو عدم صحّة السلب كون الأمر بالمادّة حقيقة في الوجوب اللغوي ـ أعني الطلب الحتمي ـ أو الاصطلاحي ـ أعني الطلب الحتمي الصادر من العالي ـ وبعدم التبادر أو صحّة السلب كونه مجازا في الطلب الندبي أو الحتمي الغير الصادر من العالي لا يجوز التعدّي عنه إلى الأمر بالصيغة ، ويقال : بكونه حقيقة في أحد الأوّلين ومجازا في الأخير ، وكذا لو ثبت بأحد علامتي الحقيقة كون لفظ الاستفهام من حيث إنّه استفعال من الفهم حقيقة في الاستفهام التقريري ـ بناء على أنّ طلب الفهم أعمّ من كونه للنفس أو للغير ـ وبأحد علامتي المجاز كونه مجازا في الإنكاري ، لا يتعدّى منه لمجرّد ذلك إلى أدوات الاستفهام ، ويقال : بكونها حقيقة في التقريري ومجازا في الإنكاري.
وكذا في طائفة من أهل اللسان إذا وجدت العلامتان في محاوراتهم خاصّة فلا يتعدّى منها إلى طائفة اخرى لمجرّد ذلك ، وكذا في زمان بالقياس إلى سابق الزمان إذا وجدت العلامتان فيه بالخصوص ، فلا بدّ للتعدّي في كلّ من المقامات الثلاث من وسط آخر ، والمراد بالوسط الآخر في هذه المقامات أصل كلّي معتبر أو قاعدة يعتمد عليها أوجب تعدية الحكم الثابت بالعلامة في موردها إلى غيره.
والّذي يساعد عليه النظر أنّ نظير هذا الأصل ليس بثابت في المقام الأوّل ، بل طريق إجراء الحكم فيما يتعدّى إليه من اللفظ منحصر في إحراز علامة اخرى بالنسبة إليه بالخصوص ، ومع عدمها لا محيص من الوقف.
وأمّا المقامان الآخران فمقتضى النظر وجود نحو الأصل المذكور فيهما ، وهو أصالة عدم النقل المتّفق عليها عندهم ، كما يعلم بتتبّع كلماتهم في المسائل اللغويّة لاستنادهم إليها على الوجه الكلّي من دون نكير ، وأصالة الاتّحاد وعدم التغاير والاختلاف الّذي قد يعبّر عنه بأصالة التشابه ، كما اعتمد عليه غير واحد.