أصليّا أو طارئا ، من العامّ أو الخاصّ ، وعليه فلا يفترق الحال في مجازيّة الاستعمال على الوجه الأوّل ، وحقيقيّة على الوجه الثاني بين أقسام الحقيقة من اللغويّة والعرفيّة العامّة والخاصّة ، سواء كان المستعمل في الجميع من أهل اللغة ، أو العرف العامّ أو الخاصّ ، وهذا المناط كما ترى من مقتضيات ما عرفته سابقا من الحيثيّة والعلاقة المأخوذتين في تعريفي الحقيقة والمجاز ، فما أفاده قدس سرّه من ضابط الفرق بين العرفيّتين ليس على ما ينبغي في شيء من وجهيه ، بل ضابط الفرق بينهما حسبما يساعد عليه النظر ـ بعد تفسير العرف العامّ بقاطبة أهل اللسان ، والعرف الخاصّ بطائفة منهم ـ هو أنّ الداعي إلى فتح باب الأوضاع الطارئة الجديدة بل الوضع مطلقا ولو أصليّا كون المعنى الموضوع له ممّا حصلت به البلوى واشتدّت الحاجة إلى التعبير عنه ، فإن كانت البلوى به والحاجة إلى التعبير عنه خاصّتين بطائفة دون اخرى ، قضى ذلك بحدوث الوضع تعيينا أم تعيّنا عند هذه الطائفة خاصّة ، وإن كانتا عامّتين لقاطبة أهل اللسان قضى بحدوثه على أحد الوجهين ، على وجه العموم من دون اختصاص له بطائفة دون اخرى.
وإلى هذا يشير ما في نهاية العلاّمة (١) وغيرها في وجه حدوث الحقيقة العرفيّة ، من أنّه قد تحصل معان فتفتقر إلى التعبير عنها ولم يوضع لها ألفاظ في اللغة ، فيضطرّ إلى اختراع ألفاظ لها ، لكن لمّا كرهوا الخروج عن قانون اللغة ، التجأوا إلى سلوك طريق يجمع بين حصول مطلوبهم والتزام قانون اللغة ، فعمدوا إلى كلّ لفظ موضوع لمعنى يناسب معناه المعنى الّذي طلبوا التعبير عنه فنقلوه إليه ، إذا كان ذلك جريا على قانون اللغة ، ولم يخترعوا لتلك المعاني ألفاظا من عندهم للعلّة المذكورة ، فإن غلب استعمالهم في المعنى الثاني صار حقيقة عرفيّة. إمّا بالعرف العامّ أو الخاصّ ، فإن أهمل الأوّل صار استعمال اللفظ فيه مجازا عرفيّا ، وإن كان حقيقة لغويّة.
__________________
(١) نهاية الوصول إلى علم الاصول : الورقة ٢٢ ( مخطوط ).