من أنّ مفهوم الصيغة إنّما يرد على المادّة بعد اعتبار قيودها وحيثيّاتها ، إذ لا يراد من اعتبار القيود والحيثيّات إلاّ تقييد مدلول المادّة بها ، ولا معنى محصّلا للتقييد إلاّ جعل المدخليّة وإيجادها بالمعنى المقصود من جعل الحكم الوضعي.
وتحقيق المقام : يستدعي بناء المسألة على النظر في حقيقة معنى تشريع الماهيّة واختراعها المنسوب إلى الشارع ، هل يراد منه إبداع ما لم يكن أو الكشف عمّا كان في الواقع ، على معنى كونها مقرّرة في نفس الأمر على ما هي عليه وبجميع الامور المعتبرة معها ، فالشارع تعالى لإحاطته التامّة بجميع الكلّيات والجزئيّات الّتي منها تلك الماهيّة وكونها بتلك المثابة ، كشف عنها لعباده عملا بلطفه العميم وفضله الجسيم ، ويختلف طريق الكلام في ذلك على حسب إختلاف الماهيّات في كونها من العبادات أو المعاملات ، فما كان منها من قبيل العبادات فمقتضى القاعدة المتّفق عليها عند العدليّة من تبعيّة الأحكام للصفات الكامنة في الأشياء والمصالح والمفاسد النفس الأمريّين ، كون مشروعيّتها من باب الكشف عن الواقع ، على قياس ما هو الحال في الأدوية ومعاجين الأطبّاء الملتئمتين عن امور متبائنة المشتملتين في الواقع على اثار وخواصّ ، فاطّلع عليها الأطبّاء بقواعدهم الطبيّة فكشفوا عنها وأرشدوا إليها إيصالا إلى ما فيها من الاثار والخواصّ.
ولذا استقرّ مذهب المحقّقين في اعتبار جهة الإرشاد مضافة إلى جهة المولويّة في أوامر الشارع ونواهيه.
وقضيّة ذلك كون جهات المدخليّة ثابتة في الامور المعتبرة مع العبادة بحسب الواقع من دون مدخليّة فيها لاعتبار معتبر ولا جعل جاعل ، فإذا كشف الشارع عنها وعن الامور المعتبرة معها بواسطة خطاب تكليفي أو وضعي بالبيانات الخارجيّة المفصّلة ، انكشف جهات المدخليّة بأجمعها في نظر العقل ، وحصل له الانتقال إلى ثبوتها بملاحظة الخطاب ولو من باب دلالة الإشارة ، وهذا هو معنى انتزاع العقل.