وأمّا الثاني : فلاستلزامه تكثّر اولي الملكات ، لابتناء الكلام على الفرض الّذي له عرض عريض ، فلو فرض أنّه ورد في كلّ حكم من أحكام الشريعة أخبار ظاهرة واضحة الدلالة لأدركه أكثر الأفهام ، حتّى كثير من العوام ، سيّما مع اشتهارها وغاية وضوح أسانيدها ، وهذا هو اللازم مع انتفاء صدق « الفقه » على تلك القوّة و « الفقيه » على صاحبها.
وأمّا الثالث : فمع ما فيه من التعسّف البيّن ، إنّه أيضا ممّا يمتنع بحسب العادة ، لوضوح تجدّد ظهور وجوه الاستدلال وطرق الاستنباط بحسب تلاحق الأفكار.
ألا ترى أنّ الفقيه الواحد يستنبط في أواخر عمره من الأدلّة ما لم يصل إليه فكره في الأوّل ، فالقوّة المتقدر بها على استنباط الكلّ بعد الاجتهاد خارج عن مجاري العادات ، وكأنّ مرجع ذلك إلى نقض عكس الحدّ بما فرضه من الفقيه المختلف أحواله ، نظرا إلى أنّ حصول استنباط ما لم يبلغ إليه فكره أوّلا في أواخر العمر ممّا يكشف عن كون ذلك الحكم ممّا يمكن استنباطه عن تلك الأدلّة من أوّل الأمر ، مع فقد القوّة المذكورة في ذلك الحين ، وإلاّ لم يتأخّر استنباطه إلى أواخر العمر ، فاعتبار الملكة بهذا المعنى ممّا يوجب خروج جميع الفقهاء عن الحدّ.
وأنت خبير بوهن هذه المناقشة أيضا ، فلك أن تختار الاحتمال الأوّل من دون امتناع في حكم العادة ، بعد ملاحظة أنّ « الأحكام » محمولة على الأحكام الفعليّة حسبما قرّرناه وأنّ الأدلّة المأخوذة في الحدّ مراد بها ما يعمّ الأدلّة الخاصّة الناهضة على الوقائع المخصوصة ، والأدلّة العامّة الناهضة على ما لم يلاحظ فيه خصوصيّة الواقعة من العنوان العامّ ، المعبّر عنه « بما لم يعلم حكمه بالخصوص » كالاصول الّتي قرّرها الشارع في حقّ الجاهل بالحكم الواقعي المأيوس عن الوصول إليه ، إذ قد عرفت أنّ مؤدّيات الاصول العمليّة أيضا في مجاريها أحكام فعليّة ، فتلك الاصول تجري مجرى الأدلّة العامّة بسبب ما في مداركها من العموم ، ومع فرض هاتين المقدّمتين فأيّ امتناع في حكم العادة في حصول قوّة يقتدر بها على استنباط جميع الأحكام الفعليّة عن الأدلّة الموجودة ، المفروض كونها أعمّ