فقد أكد ابن أبي اصيبعة أنه مات عن سن تناهز الثمانين سنة.
ويروي المقريزي(١٤) وابن الأثير(١٥) الحكاية التالية : « ان المنصور العبيدي اعتل علة شديدة ووصل الى المنصورية فأراد عبور الحمام ففنيت الحرارة الغريزية منه ولازمه السهر ، فأخذ طبيبه يعالج المرض دون سهر فاشتد ذلك على المنصور ، وقال لبعض خواصه : أما في القيروان طبيب غير اسحاق؟. فأحضر اليه شاب من الأطباء يقال له أبو جعفر أحمد بن ابراهيم ابن أبي خالد الجزّار *. فأمر باحضاره وشكا اليه مما يجده من السهر ، فجمع له أشياء مخدرّة وجعلت فى قنينة على النار وكلفه شمها فنام ، وخرج وهو مسرور بما فعله. فجاء اسحاق ليدخل على المنصور فقيل له : انه نائم ، فقال : ان كان صنع له شيء ينام منه فقد مات. فدخلوا عليه فاذا هو ميت ، فدفن في قصره. وأرادوا قتل ابن الجزار الذي صنع له المنام فقام معه اسحاق وقال : لا ذنب له وانما داواه بما ذكره الأطباء ، غير أنه جهل أصل المرض وما عرفتموه ، وذلك أنني في معالجته أقصد تقوية الحرارة الغريزية وبها يكون النوم ، فلما عولج بما يطفئها علمت أنه مات ».
هذه الحادثة تؤكد على أن ابن الجزار كان قد أصبح طبيبا شابا في مقتبل العمر عام وفاة المنصور أي سنة ٣٤١ ه / ٩٥٢ م ، أي فلنقل أنه كان في العشرين من العمر ، معنى هذا أنه ولد حوالي عام ٣٢٠ ه ، وبما أنه عاش ثمانين عاما فيكون عام وفاته هو ٤٠٠ ه ، كما ذكر حاجي خليفة.
ويؤكد لوكلير(١٦) في كتابه « تاريخ الطب العربي » هذا التاريخ إذ يقول : « يحدد السيد دوسلان عام وفاة ابن الجزّار ، عن الذهبي ، سنة ٣٥٠ هجرية الموافقة لسنة ٩٦١ ميلادية وقد نسي ابن خلكان دون شك أن يذكرها.
أما بالنسبة لنا فاننا نرفض هذا التاريخ وهاكم السبب : رأينا في سيرة اسحق بن سليمان انه كان يعيش عام ٣٤١ هجرية / ٩٥٢ ميلادية وهو عام وفاة مريضه الأمير الفاطمي المنصور ، وانه عاش ، على ما يقال ، أكثر من مئة سنة. ومهما يكن أمر عمره ، فباستطاعتنا بسهولة أن نقبل أن اسحق بن
_______________
(*) ورد هذا الاسم بهذا التفصيل عند المقريزي ، وتحت اسم : ابراهيم فقط عند ابن الأثير (ج ٦ ، ص ٣٤١).