سليمان قد عاش بضع سنوات بعد وفاة المنصور فوصل الى عام ٩٦١ م (٣٥٠ ه) على الأقل. ومن ناحية أخرى ، يبدو لنا من المعقول أن نقبل بأن ابن الجزّار تلميذ اسحق ، قد عاش أكثر من أستاذه بما لا يقل عن جيل. لذا يبدو لنا أنه من الأنسب الاعتماد على التاريخ الذي ذكره حاجي خليفة.
اذن : تأكيد وفاة ابن الجزار بعام ٤٠٠ ه يعتمد على الحكاية التي ذكرها المقريزي. ولكن هذه الحكاية قابلة للطعن من عدة وجوه :
أولا : من الناحية الطبية العلمية. يذكر لنا الدكتور حسن ابراهيم حسن(١٧) أن المنصور « مات في يوم الجمعة آخر شوال سنة ٣٤١ ه ودفن بالمهدية. وقد قيل في سبب موته أنه خرج من المنصورية حاضرة ملكه للتنزه فاشتد هطول المطر وهبوب الريح ، حتى فاجأه المطر ، وأوهن جسمه ، ومات أكثر من كان معه .... » *
والذي نستطيع تشخيصه في هذه الحالة ، وخاصة أن المنصور لما يجاوز الأربعين من العمر ، انها حالة التهاب رئة وقصبات فوق الحاد ، أو حاد.
ونحن نعلم حسب القول الطبي الفرنسي المشهور أنه « عند ما تكون النار في الرئة ، فالخطر يكمن في القلب ».
فلا بد أن سبب موت المنصور هو اختلاط قلبي أودى بحياته كما أودى بحياة « أكثر من كان معه ».
أما دخوله الحمام ، فهو يعتمد على المبدأ البقراطي في المعالجة أي المعالجة بالأضداد. فيما أن سبب اصابته كان البرد ، فيجب مداواته بالحرارة أي بالحمام.
وربما كان دخول الحمام العربي المعروف بارتفاع الحرارة فيه ، وكثرة البخار ، سببا زاد في اضعاف قوى المريض المنصور فأودى بحياته.
أما « القنينة » التي وضعت على النار وفيها « أشياء مخدرة » ليشم منها المريض فهي طريقة كانت مستعملة حتى الى فترة غير بعيدة وهي ترطيب
____________________
(*) ويقول ابن الأثير (ج ٦ ـ ص ٣٤١) « فأصابه في الطريق ريح شديد وبرد ومطر ودام عليه فصبر وتجلد وكثر الثلج فمات جماعة من الذين معه ».