فنشأ شيخنا المترجم له في بيت عرف بالعلم والتقي في إحضان والده وبرعاية خاله المحقّق الحلّي ، فدرس عليهما وعلى غيرهما من العلماء الجهابذة الذين كانوا أعلام عصرهم وفطاحلة زمانهم ، فنشأ عليهم نشأة كريمة ، وترعرع في كنفهم رعاية خاصّة ، ممّا جعلته يفوق أقرانه ، ويبرز في سنّ مبكّر. ولا أريد التعرّض لتحديد السنّ الذي بلغ فيه مرتبة الاجتهاد ، أو الذي بدأ فيه بالتصنيف ، لما وقع فيه من التضارب في الأقوال ، فليطلب من مظانّه (١).
ففي تلك السنين مرّت ظروف عصبية على الحلّة كادت أن تفنى بعلمائها وتندثر معالمها الخالدة على يد السلطان الجزّار « هولاكو » ـ الذي كان قد وصل إلى مشارف بغداد ـ لو لا حكمة والد العلّامة رحمهالله حيث اجتمع مع من بقي من أهل الحلّة ، وقرّروا إنفاذ كتاب للسلطان يطلبون فيه الأمان والنزول تحت حكمه ، وكانت آن ذاك خطوة حسّاسة ، لأنّهم لم يعلموا ما ذا سيكون موقفه منهم ، فوصل الكتاب ، وأرسل على أثره من يحضر والد العلّامة ، فخرج من الحلّة مع جنود السلطان ولا يدري ما ذا سيصنع به ، وله قصّة معروفة مع السلطان حينما أخبره الشيخ عن سبب مكاتبتهم له ، ولم تمض مدّة قصيرة حتّى عاد والد العلّامة إلى الحلّة وبيده ( الفرمان ) من السلطان فيه أمان لأهل الحلّة والمشهدين الشريفين.
وبعد هذا دخل السلطان إلى مدينة بغداد واستباحها ، فأحدث فيها مجزرة عظيمة لم ينجو منها أحد حتّى الشيوخ والأطفال والنساء.
ومن هنا نعلم مدى العمق الفكري لدى أهل الحلّة وعلمائها بالخصوص ، حيث إنّهم كانوا يعرفون من هو « هولاكو » فعلموا أنّ الوقوف في وجهه لا يجدي نفعا بل يجلب ضررا ، ففضّلوا الصلح والمهادنة ، وبهذا نجت الحلّة من بطش السلطان الجزّار.
ففي خضمّ هذه الأحداث نشأ علّامتنا الحلّي قدس سرّه.
وبعد مدّة من الزمن عرضت مشكلة لشاه إيران ، وهو الشاة خدابنده ، فلم يجد لها حلّا عند أبناء العامّة ، فقيل له : إنّ في الحلّة عالما من علماء الشيعة يستطيع حلّها ، فاستحضره الملك ، وفعلا شدّ الرحال إليه .. وجرى ما جرى ـ والقصّة مذكورة في محلها بالتفصيل (٢)
__________________
(١) وقد كفانا المئونة الشيخ رضا المختاري في مقدّمة التحقيق لغاية المراد ١ : ٣٧.
(٢) أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٩.