فقه الإمامية ، بل ربما لم يتفق وجوده. واستنبطوا أحكامها ولم يتحاشوا عن
إبداء النظر فيها ، وهم في نفس الوقت كانوا يجتنبون العمل بالقياس جدّا حيث إنّه
كان ممنوعا عنه في مذهبهم أكيدا. ومع ذلك فكانوا يجيبون على الأسئلة الواردة
والحاجات الطارئة في الحياة استلهاما من النّصوص والقواعد العامّة عدا القياس.
وهذا اللّون من
الفقه هو غاية الاجتهاد ونهاية المطاف ، ومع فقده يعتبر الاجتهاد ناقصا مبتورا
عاجزا عن الوفاء بحاجات النّاس. وفي الحقيقة يعتبر هذا التّحول الجديد بداية
التكامل في الاجتهاد ، وبعبارة أصح قيام الاجتهاد بمعناه الحقيقي بين الشيعة ، في
الوقت الّذي كان الاجتهاد والاستنباط من هذا الطّراز سائدا عند أهل السنّة ولا
سيّما في المذهب الحنفي من قبل حوالي قرنين أي من أواسط القرن الثّاني الهجري
استنادا إلى الرأي والقياس بمعناه الواسع المحظور على أصول الشيعة أو بإشكال أخرى
حسب المذاهب الفقهية الموجودة حين ذاك.
وهكذا نرى أنّ
المذهب الشيعي مع محافظته على أصوله المسلّمة قد تأثر بالآخرين من حيث شاء أو لم
يشأ ، ولكنّه لم يفارق أصوله ولم يتخلّ عن ذاتيته طرفة عين ابدا.
وهناك مجال
للبحث والدراسة فيمن أبدى أوّلا هذه الشجاعة والجرأة وعمد إلى فتح هذا الباب على
المجتهدين بعد أن كان مقفلا إمامهم في المذهب الإمامي. فعند العلامة الطّباطبائي
بحر العلوم ، وقبله السيد نعمة الله الجزائري في شرح التهذيب وبعده صاحب الرّوضات
، وغيرهم ، كان المؤسّس الأول لهذا الأساس هو الحسن بن أبي عقيل العماني المعاصر
للشيخ الكليني ( م ٣٢٩ ه ) وبعده محمّد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي المعاصر للشيخ
الصدوق ( م ٣٨١ ه ). وكان الشيخ المفيد تلميذا لهذين وكان له حسن ظنّ بالعماني
وابن الجنيد فتابع طريقتهما ومنه تسرى ذلك إلى طلابه الذين تخرجوا عليه ، ومنهم
السيد المرتضى والشيخ الطوسي ، ومن عاصرهما. هذا رأيهم.
ولكننا مع
الاعتراف بصدق هذا الرأي وصحته ، لا يمكننا إنكار هذه الحقيقة وهي أنّ هذا اللون
من الفقه كان رواجه واستقراره رسميا بين الشيعة على يد الشيخ الطوسي ، فله الفضل
في نشره والدّفاع عنه ، والوقوف أمام المخالفين له ، وإن كان المؤسّس غيره ممّن
سميناهم أو لم نسمهم. فإنّ الشيخ نفسه قد شرح في أوّل كتاب « المبسوط » كيف كان
وضع الفقه عند الشيعة ، وما كان هدفه من تأليف كتبه الفقهيّة مثل النهاية والمبسوط
__________________