ذلك في حياة الشيخ المفيد ، كما أنه نال أكبر حظ ممكن من التقدم والرقي في ظلّ أستاذه البالغ منتهى المجد والعظمة.
وفي رأيي أنا أنّ الشيخ الطوسي لم يكن بحاجة ماسّة إلى علم السيد في الرواية والحديث ولأنّه في السنوات الخمس التي قضاها مع المفيد وغيره من الأساتذة والمشايخ الكبار الذين سمينا بعضهم كان قد تزوّد بأكبر قدر ممكن من المنقولات والروايات عنهم مباشرة من غير حاجة إلى توسيط السيد وغيره ممن يعتبرون من تلامذة هؤلاء المشايخ وهذا ما يظهر جليا مما قاله الشيخ في ترجمة السّيد في كتاب رجاله : « يروى عن التلعكبري والحسين بن على بن بابويه وغيرهم من شيوخنا » (١) ولهذا لم نجد السيد في طريق شيء من روايات كتابي التّهذيب والاستبصار الذين هما أهم كتبه الحديثيّة ، ولا في غيرهما من كتبه إلّا نادرا. نعم ذكر الشيخ في الفهرست طريقه إلى كتاب الكليني بواسطة السيد أيضا فما عده من الطرق العديدة إلى هذا الكتاب ، فقال : « .. وأخبرني السيد الأجل المرتضى عن أبي الحسين أحمد بن على بن سعيد الكوفي عن الكليني .. » (٢).
أمّا علوم الكلام والتفسير واللغة والعلوم الأدبية عموما وكذلك الفقه والأصول فالظاهر أنّ الشيخ الطوسي استفاد فيها من السّيد إلى حدّ كثير ، فقد حكى الشيخ كثيرا من آراء السّيد في كتابه « عدة الأصول » وفي كتبه الكلاميّة والتفسير ، وانتقد بعضها. وفي « الفهرست » بعد أن سمّى قسما كبيرا من تأليفات السيّد يقول : « قرأت هذه الكتب أكثرها عليه وسمعت سائرها يقرأ عليه دفعات كثيرة » (٣).
ومن المسلّم به أنّ الشيخ قد صنف بعض كتبه المهمة في حياة السيد حيث سأل الله فيها دوام علوه كالتهذيب ، والاستبصار ، والنهاية والمفصح في الإمامة ، وكتاب الرجال ، وقسما من أوّل الفهرست وعدّة الأصول. وأهمّها تلخيص الشّافي الذي يعتبر من أهم كتبه الكلاميّة في الإمامة ، وهو تلخيص كتاب الشّافي للسيد المرتضى. الذي لم يؤلّف قبله في الإمامة كتاب على طرازه. وقد فرغ الشيخ من تلخيص الشّافي سنة ٤٣٢ ه أي قبل أربع سنوات من وفاة السيد المرتضى. (٤) وحيث إنّ الشيخ صنّف أكثر هذه الكتب بالتماس من ابن البراج أو غيره كما ستقف عليه فان هذا يعبر عن مرجعيته وأهليته
__________________
(١) رجال الطوسي ص ٤٨٥.
(٢) فهرست الطوسي ص ١٢٦.
(٣) فهرست الطوسي ص ١٢٦.
(٤) لاحظ آخر تلخيص الشافي.