أخرى بقيت إلى عصر الشيخ الطوسي ، واستفاد هو منها كما ستقف عليه.
ولأجل الوقوف
على وضع « بغداد » في تلك الأعصار فإن من اللازم ، الرجوع الى كتابين ألّفا حين
ذاك : أحدهما كتاب « الفهرست » لابن النديم. والآخر « تاريخ بغداد ». أما الفهرست
فقد ألّف في سنة ٣٧٧ ه كما هو المنصوص عليه في مواضع منه. وقد كان مؤلّفه «
ورّاقا » مشتغلا ببيع الكتب واستكتابها للنّاس ، وقد عمل فهرستا لكلّ ما وصل إليه
من الكتب ، وكان صديقا لكثير من العلماء وأئمة المذاهب المعاصرين له ولعشاق الكتب
والظّاهر أنّ دكّانه كان محلّ تردد العلماء والراغبين بالكتب ، وملتقى أفئدتهم
وأفكارهم.
أمّا « تاريخ
بغداد » فهو للخطيب البغدادي المعاصر للشّيخ الطوسي الّذي أقام معه في بغداد ، زمنا
بعيدا وبعده إلى سنة ٤٦٣ ه وكان يتردّد على بغداد حتّى توفّي فيها في تلك السنة . وقد التقى
بكثير من العلماء المعاصرين له ، وقليل من العلماء الّذين عاشوا ببغداد أو تردّدوا
عليها ، ولم يذكرهم الخطيب في كتابه هذا الذي يحتوي على ترجمة ٧٨٣١ شخصا بالتفصيل
أو الإيجاز ومع ذلك فلم يذكر الخطيب الشيخ الطوسي إمام الشيعة في عصره في قليل ولا
كثير.
موقف الشّيعة في بغداد
هذا الّذي مرّ
معنا ، انّما يظهر لنا بغداد من النّاحية العلميّة بشكل كلّي. وأمّا من ناحية
الشّيعة والتشيع فيها فلا بد وأن نشير إلى أنه من عصر الإمام الصّادق عليهالسلام المتوفّى عام ١٤٨ ه فما بعده قد دخلها أكثر الأئمة من
آل البيت عليهمالسلام. ومن بينهم الإمامان السابع والتاسع ـ أي الإمام موسى
بن جعفر الكاظم والإمام محمّد بن على الجواد عليهمالسلام ـ وأقاما فيها برهة من الزّمان ثم ماتا أو استشهدا بها
ودفنا بمقابر قريش الّتي صارت فيما بعد بلدة مستقلة تسمّى « الكاظمين » أو «
الكاظميّة ».
وكذلك فان قسما
كبيرا من علماء الشّيعة ورجالهم كانوا يترددون على بغداد منذ تأسيسها ، وبعضهم
استوطنوا بها ، ومنهم من كان على علاقة وارتباط بالخلفاء أو الوزراء فيها. ولا
سيّما في أيام « البرامكة ». فمن جملة الرجال المشهورين والعائلات المعروفة هشام
__________________