وزادت لهفتي على الكتاب والمطالعة بعد إنهائي للدراسة ، فكانت المكتبات العامّة والخاصّة أماكن تواجدي المفضلة ، مستأنساً بمؤلفات الذين تركوا أثرهم في الحياة الدنيا ورحلوا عنّا ، منهم من كان متيقناً أنّه قدّم شيئاً لله تعالى وللبشريّة ، ومنهم من لم يكن على يقين من أمره ، كجلّ الذين كانوا في خدمة الطغاة والظالمين.
في أحد الأيام ، انزعجت كثيراً وأنا أقرأ تفسير الدرّ المنثور لجلال الدين السيوطي ، ففي تفسير سورة النجم ، ساق صاحب الكتاب في بيان تفسيره لآية : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ ) (١). عدداً من الروايات المتنافرة والمتناقضة ، التي تقول بأنّ النبي صلىاللهعليهوآله نطق الشيطان على لسانه والعياذ بالله ، وقال كلمات فيها إعلاء لآلهة قريش ، وترجّى شفاعتها ، وختمت الروايات بسجوده لها. يومها فهمت أنّ هذا الخطّ لا يتورع في ذكر أيّ شي يحطّ من مقام النبي صلىاللهعليهوآله ، دون نظر وتثبت.
صاحب الدرّ المنثور لم يكن وحيداً في نشره وحفظه لروايات تشويه النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله ، وما هو في هذا الإطار إلّا ناقل عن أمّهات الكتب المعتمدة عند خطّ تشويه الاعتقاد في عصمة النبي صلىاللهعليهوآله. فالبخاري ومسلم وغيرهما من الكتب الروائية ، اتفقت على إخراج كلّ ما من شأنه أن يزعزع عقيدة المسلمين ، في طهارة الأنبياء ونزاهتهم وعصمتهم ، فألصقوا بخليل الرحمان إبراهيم عليهالسلام ، كبيرة لا تليق إلّا بمنافق ، فنقلوا عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه عليهالسلام كذب ثلاث كذبات (٢). وألصق به أيضا أنّه شك في عقيدته ، وعلّق النبي حسب زعمهم بقوله :
_________________
(١) النجم : ١٩ ـ ٢٠.
(٢) صحيح البخاري : ٤ / ١١٢.