قال : لقد قلت لك إنّ كلّ جيل له تكليفه بخصوص المودّة ، فنصرة الحسين عليهالسلام واجبة على من سمع بخروجه ، والبكاء عليه من الأمور المطلوبة والمحبّذة ، حتّى لو كان ذلك بعد أربعة عشر قرناً ، لأنّ الإمام الحسين رمز الإسلام ، وبقيّة أصحاب الكساء ، فالبكاء عليه في محنته أمر عبادي يراد به وجه الله تعالى ; أحد أوليائه المقرّبين ، وأحد القربى الذين فرض الباري محبّتهم ، وفوق ذلك كلّه ، فقد بكى النبيّ صلىاللهعليهوآله على ولده الحسين عليهالسلام.
قلت : وكيف بكى رسول الله صلىاللهعليهوآله على سيدنا الحسين رضياللهعنه وحادثة كربلاء لا تزال في رحم الغيب ، وبينها وبين النبيّ صلىاللهعليهوآله أكثر من خمسين عاما ؟
قال : الروايات في ذلك عديدة متكاثرة وهي تنصّ وتصرّح بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله ، بكى على ولده الحسين وأقام عليه العزّاء في أوقات عديدة لعلّ أوّلها في يوم ولادة الحسين عليهالسلام. وها أنا أورد لك روايتين على سبيل المثال فقط :
الأُولى : أخرج الحاكم بسنده إلى أمّ الفضل بنت الحارث : « أنّها دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقالت : يا رسول الله ، إنّي رأيتُ حلماً منكراً الليلة. قال : وما هو ؟ قالت : إنّه شديد. قال : وما هو ؟ قالت : رأيتُ كأنّ قطعة من جسدك قُطّعت ، ووضعت في حجري. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : رأيت خيراً ، تلد فاطمة إنْ شاء الله غلاماً فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فدخلت يوماً إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة ، فإذا عينا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، تهريقان من الدموع. قالت : فقلتُ : يا نبي الله بأبي أنت وأمّي مالك ؟ قاله : أتاني جبريل عليهالسلام فأخبرني أنّ أمتي ستقتل ابني هذا. فقلت : هذا. فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء.
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (١).
_________________
(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٧٦ ، وانظر أيضاً تاريخ دمشق ١٤ : ١٩٧.