من أمر الهي ، كالذي نحن بصدده ، وقد تشبّث الشيعة بهذه الشعيرة ، وجعلوها عنواناً لنهجهم ، وسمة ظاهرة من سمات تدينهم ، ليقينهم بأنّ مودّة أهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآله هي البراءة الفعلية من غضب الله سبحانه وتعالى ، والخلاص الحقيقي من ناره وعذابه ; لذلك اهتمّ الشيعة بإحياء مراسم أهل البيت عليهمالسلام في كلّ سنة ، ولم يفتر ساعدهم ، ولا ضعفت همّتهم ، عن إحياء تلك المناسبات العظيمة ، وتشييد المقامات والإنفاق عليها بكلّ سخاء ، إيماناً منهم بأنّها من أيام الله سبحانه وتعالى ، ومن شعائره ، ومن يعظم أيّامه وشعائره فقد نال أجراً عظيماً.
فقلت له : ألا ترى أنّ فريضة مودّة قربى النبيّ صلىاللهعليهوآله يراد منها محبّة أهل البيت عليهمالسلام وتقديرهم فقط ، دون ما ذهب إليه الشيعة من تقديم وتفضيل واتّباع وموالاة ؟
فقال لي : على عكس ما تعتقده ، فقد كانت الغاية من تشريع مودّة قربى النبيّ صلىاللهعليهوآله منحصرة في كونهم قدوة الأمّة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والتجسيد الحيّ لكتاب الله وأحكامه ، فالمولى سبحانه وتعالى عندما قال : ( إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) (١). قد جعل محبّته متمثّلة في اتّباع النبيّ صلىاللهعليهوآله ومخصوصة به ، فلا يصح حبّ المولى دون اتّباع للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، كذلك محبّة رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يمكن أن تتحقق إلّا بإتباع أهل بيته الأئمة الهداة من بعده عليهمالسلام.
ثمّ ألم تعلم أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قد فرح بإسلام عليّ عليهالسلام كما فرح بولادة الزهراء عليهاالسلام ، وما تبع ذلك من فرحه بولادة الحسن والحسين وزينب عليهمالسلام ، وانتصارات علي عليهالسلام التي هي انتصارات للدين الخاتم ، فكانت كلّ أفراحه تلك سنّة وجب علينا إحياءها لأنّ النبيّ منطلقها ومؤسسها ، والشيعة يتعبدون بتلك الأفراح انطلاقاً من تأسيس الرسول صلىاللهعليهوآله لها.
_________________
(١) آل عمران : ٣١.