في كل موقف وموطن وفي كلِّ نبضة قلب ورمشة جفن ، وكأنه قطعة من كيانٍ وجزءٍ من كلِّ ، لا ينقطع ولا يكلّ ولا يملّ ، حتىٰ يقول :
« يا إلهي لو بكيت إليك حتىٰ تسقط أشفار عيني ، وانتحبتُ حتىٰ ينقطع صوتي ، وقمت لك حتىٰ تنتثر قدماي ، وركعتُ لك حتىٰ ينخلع صلبي ، وسجدتُ لك حتىٰ تتفقأ حدقتاي ، وأكلتُ تراب الأرض طول عمري ، وشربتُ ماء الرماد آخر دهري ، وذكرتك في خلال ذلك حتىٰ يكلُّ لساني ، ثم لم أرفع طرفي إلىٰ آفاق السماء استحياءً منك ، ما استوجبت بذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي...
فارحم ياربِّ طول تضرّعي وشدة مسكنتي وسوء موقفي ، واستعملني بالطاعة ، وارزقني حُسن الإنابة ، وطهرني بالتوبة ، وأيّدني بالعصمة ، واستصلحني بالعافية ، وأذقني حلاوة المغفرة ، واجعلني طليق عفوك ، وعتيق رحمتك ، واكتب لي أماناً من سخطك ، وبشرني بذلك في العاجل دون الآجل ، إنّك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد ، وإنك علىٰ كلِّ شيء قدير ... ».
إذن ، وباختصار شديد وبكلمات أكثر تفصيلاً يمكن القول ان الصحيفة السجادية التي تركها الإمام زين العابدين عليهالسلام جاءت لتشكّل مساحة منهجية رائدة وكبيرة ، بكبر القضية التي انتُدب لها أولاً ، وبحجم دوره عليهالسلام في ريادة هذه القضية وتوجيهها وتعميقها في نفوس الناس ثانياً.
نعم ، جاءت هذه الصحيفة لتكون شوطاً آخر
من أشواط الجهاد الذي قطع مشواره المرّ الطويل هذا الإمام العظيم في تبيئة المفهوم الإسلامي ـ كما يقولون اليوم ـ وتأصيل جذوره في الاُمّة والمجتمع بعدما انكمش دوره في دائرة القوالب المشوّهة التي صاغها الأمويون ، وداسوا القيم